عن سابق تصوّر عربي وتصميم غربي أميركي مشترك، وجد لبنان نفسه في قلب الحرب على الإرهاب في ظلّ معادلاتٍ دولية وإقليمية متداعية أقلّ ما يُقال فيها أنّها غاية في الخطورة على غرار الرقص على حافة الهاوية التي استشعرها الكثير من القادة المحليين وعلى رأسهم رئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط  الذي لم يطلق مواقفه الاخيرة إلا استنادا إلى معطياتٍ ومعلوماتٍ يملكها أكان بعد اللقاء الذي جمعه بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أو عبر قنواته الاقليمية والدولية المتعددة المصادر، علمًا أنّ تقاطع المعلومات أو التسريبات يدفع إلى التأكيد على أنّ لبنان تحوّل عمليًا إلى أرضٍ خصبة لشن هجمات قاتلة على منظومة الارهاب التكفيري المتنقل بين العراق وسوريا ولبنان.
في هذا السياق، يروي سياسي قريب من "حزب الله" التقى جنبلاط منذ فترة ليست بقصيرة أنه، وبعد السؤال عن السر الكامن وراء الالتفافات الحادة التي يقوم بها "البيك" مع بداية كلّ مرحلة انتقالية يمر بها لبنان، سمع الجواب المباشر بأنه يعمل على إيجاد مكان آمن لدروز لبنان في ظلّ الصراعات الطائفية والمذهبية الجارية، مشيراً إلى أنّ على المسيحيين اتباع نفس السياسة قبل فوات الأوان على اعتبار أنّ المشروع الغربي وأدواته العربية وتمويله الخليجي أكبر بكثير من القدرة المحلية على مواجهته، وبالتالي فإنّه من المفيد تمامًا البحث في صيغة سياسية لجمع الأضداد والأقليات قبل وصول الموجة إلى لبنان.
هذا الكلام ساقه السياسي عينه للتأكيد على أنّ ما يحصل في عرسال وقبله في عبرا وطرابلس ليس وليد ساعته، ولا هو بمعزول عن التطورات الاقليمية ومشاريع التسوية الدولية التي تلحظ جغرافية لبنان كما سواه من دول العالمين العربي والاسلامي. فلبنان موضوع على لائحة الدول المفروض عليها تشكيل رأس حربة في الحرب على الارهاب لعدّة أسباب أولها وقوعه على الساحل الغني بالغاز وثانيها قرب التجمعات البشرية والسياسية التي تشكل بيئة حاضنة للارهابيين وبالتالي فإنّ عليه المشاركة في الحرب باعتبارها الضمانة الوحيدة لإبعاد شبح التخريب عن منابع الغاز ومعابره، وما مسارعة السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل للقيام بزيارة دعم لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي إلا تعبيرًا عن رضى أميركي لتوسيع رقعة الحرب على الارهاب وقطع  الطريق أمام وصول تنظيم "داعش" التكفيري الى الساحل المتوسطي.
ويتوقف السياسي عند جملة من المحطات التي تؤكد أنّ أحداث لبنان مخطط لها ومحسوبة نتائجها سلفا، فيعود بالذاكرة إلى مشهد هبوط طائرة ركاب اميركية في مطار رياق العسكري بحجة عطل تقني تم اصلاحه بعد ساعة واحدة لتعود الطائرة للاقلاع والتوجه إلى حيث أتت، وهي بالفعل كانت تنقل عتادًا عسكريًا لمصلحة الجيش اللبناني، فضلا عن معلومات وتأكيدات مماثلة حول قيام وزارة الدفاع الفرنسية بتزويد ثلاث مروحات لبنانية من طراز "غازيل" بمنصات لاطلاق صواريخ مخصصة لحرب الشوارع والمدن والمغاور.
إزاء كلّ ذلك، يعرب السياسي عينه عن اعتقاده بأنّ الأمور ما زالت في دائرة الضبط الاقليمي والدولي، وما قيام الطيران الحربي السوري بشن غارات على إرهابيي "النصرة" و"داعش" في جرود عرسال إلا تعزيزا لهذا المشهد المطلوب اقليميا ودوليا، فضلا عن اشارات واضحة إلى أنّ انتصار "داعش" في لبنان وسوريا أمر ممنوع، لتبقى الأمور مفتوحة على كل التطورات والاحتمالات بما فيها الابقاء على توتر دائم لا يصل الى حدود التفجير الاكبر.