"لم تكن أرض لبنان لهم وحدهم يوم كانت أعدادهم غفيرة، بل التقوا عليها كل تائق الى الحرية والعيش الكريم. وهكذا تكون جبل لبنان، وبالتالي لبنان، ارتبط اسمه أولا بالموارنة والدروز، ومن ثم بباقي الطوائف والمذاهب، اندادهم بالمواطنة والايمان بقيم الارض. هذا هو لبنان الذي عشناه وعرفناه ونريده أن يبقى. انما اليوم، تنظر كنيستنا المارونية بكثير من القلق الى ما تناهت اليه أوضاع الارض في بلدان النطاق البطريركي عامة، وفي لبنان خاصة، وهذا القلق يتزايد يوماً بعد يوم. ان الاحصاءات تدل اليوم على ان مسيحيي لبنان فقدوا في الاعوام الاخيرة قسماً كبيراً من أراضيهم، وهناك مناطق أصبحت شبه خالية من المسيحيين، وقد بيعت أجزاء شاسعة من أرضه طوعاً او إكراهاً او إغراء".
هذا ما قاله رئيس الرابطة المارونية سمير ابي اللمع السبت في اللقاء المؤتمر الذي نظمته الرابطة. ولعل هذا الكلام يلخص واقع الحال من جراء ازدياد بيع الاراضي في مناطق المسيحيين البعيدة والنائية خصوصا، وهي حدث واقعي اذا ما نظرنا اليه بعيداً من السياسة، فالناس يطمحون الى العيش في المجتمعات المدينية، أولاً، أو هم يضطرون الى النزوح لتعليم ابنائهم، او بحثاً عن فرصة عمل. لكن مجرى الاحداث اللبنانية يجعل البيع خطراً، لانه بنتائجه يتلاعب بديموغرافية البلد ويقضي على التنوع فيه، وتالياً يقلص الانفتاح والتفاعل لدى كل المكونات الاساسية للبنان. ولأنه من جهة أخرى يحصل غالبا بأساليب غير رضائية، اذ تم الكثير منه زمن التهجير وبعده، وزمن سيطرة الميليشيات ووضع اليد على العقارات، واقامة منشآت عليها، وتالياً دفع اصحابها الى بيعها مرغمين.
ولعل الواقع الاخطر في هذا المجال أيضاً، والمستمر الى اليوم، هو مصادرة اراض كثيرة، ومنع اصحابها من استعادتها او اقامة منشآت ومشاريع عليها بحجة انها واقعة في مناطق مصنفة أمنية كما في بعض قرى الجنوب، او تزوير وثائق شراء حصص عدد من الشركاء فيها ممن سافروا قبل نحو قرن لاجبار آخرين على البيع، وقد انكشفت عمليات عدة في هذا المجال. والمؤسف ان أحزاباً وشخصيات تنادي بالعيش المشترك تغطي عمليات شراء منظم تسعى الى تغيير في هوية المناطق، مما يدفع أهلها الى هجرها لاحقا، وحلول وافدين محلهم، والحجة هي التوسع السكاني.
ان ضياع الارض، هو ضياع للهوية، ضياع للبنان الوطن الذي عرفناه، وحلمنا به أفضل. والفرز الحاصل يقربنا من الواقع الاسرائيلي، فتمارس احزابنا حيال اللبنانيين، ما تمارسه اسرائيل على الفلسطينيين. ان المحافظة على ما تبقى من لبنان ليست مسؤولية الفقراء الذين يبيعون من ارضهم لكفاف يومهم، بل مسؤولية السياسيين ومسؤولي الاحزاب الذين يمعنون في تدمير بنية لبنان، أملا في ضرب الصيغة لتغييرها.