إنَّ التفسيرات الجديدة للعقيدة الإسلامية أدخلها في صراعٍ مريرٍ مع التفسيرات العتيقة والراسخة في الجذور ، الذي اعتمد عليها الفكر الأصولي المتطرِّف لإرتكاب القتل بآياتٍ طويلة من الذكر الحكيم... هذه التفسيرات هي التي قدَّمت لهم الغطاء والمشروعية الدينية وأمَّنت لهم الحماية الكافية من دون أي رادعٍ وخوفٍ ، ومن دون أن يرفَّ لهم جَفن ، عندما يقتلون ويقطعون الرؤوس بالفؤوس كونها أدوات الفرسان في الإسلام الأول من قوافل العير... وإلاَّ كيف يقدموا على ارتكاب مثل هذه المجازر بحق الناس والشيوخ والمدنيين الأبرياء من أطفال ونساء ، إن لم يكن لهذه التبريرات والتفسيرات الدينية من منشأ ومصدر...إنَّ المشكلة في الأصل هي مشكلةٌ فكريَّةٌ وليست مشكلة سياسية سلطوية لكى يُضفَى عليها بأنها صراعات ومنازعات سياسية وليست دينية ، ولهذا فإن لم تُحسم فكريَّاً ودينيَّاً لا يمكن أن تُحسم سياسياً في حاضرنا ومستقبلنا...ولعلَّ أهم دور قام به الفيلسوف الفرنسي "فولتير" في محاربته وثورته ضد التعصُّب المسيحي والمتعصبيين ، وأضاء نوراً من هذه القبور الموحشة وأنار من غيابت الجُبِّ وغياهب الظلمات إلى ما يسمَّى تنويراً عندما أشاد بإنكلترا وصبَّ جامَّ غضبه  على فرنسا والفرنسيين عندما لم تسمح الحكومة إلاَّ بدينٍ واحدٍ أو مذهبٍ واحدٍ ، وما عداه لم يكن مسموحاً وممنوعاً منعاً باتاً...فيما تتعايش كافة الناس والأديان والمذاهب والفلسفات والإتجاهات في إنكلترا بسلامٍ وحريةٍ وطمأنينةٍ ومحبَّةٍ ووئامٍ ، حتى الذين لم يؤمنوا بأي دينٍ ومذهبٍ وطقسٍ وشعيرةٍ كانوا يعيشون بهدوءٍ وحريةٍ وأمانٍ من دون أن يؤذيهم أحد من الخلق.. لأنَّ فرنسا كان يسودها حكمٌ إطلاقيٌّ مستبدٌّ من كهنةٍ وإقطاعيين فترى المزارع والفلاح والعامل مسحوقين سحقاً تحت وطأة الضرائب من تلك الطبقة الإقطاعية الحاكمة والمستأثرة بالسلطة ومقدرات الشعب..فيما ترى في إنكلترا يسودها حكم البرلمان المستقلّ.. فبعد ثورة إنكلترا عام "1666" تجد التجارة محترمة والفلاح ميسوراً والحياة في هدوء وراحة وأمان ، لأنها إبتعدت عن الهرطقات والمناقشات اللاهوتية ، فيما ترى الناس في فرنسا غارقين في المناقشات والصراعات اللاهوتية العقيمة والمميتة حول العناوين الثنائية : "حلال وحرام ، طاهر ونجس ، مؤمن وكافر ، ملحد ومشرك "...على غرار ما نجده في عالمينا العربي والإسلامي " هذا كافر وهذا مؤمن ، وفلان طاهر وفلان نجس" أو مثلاً بول الخفَّاش طاهر أم نجس ، وكم عدد المسامير في سفينة نوح ، أو في النملة التي كلَّمت سليمان أهي أنثى أم ذكر ، أو ما هو جنس الملائكة ومن أي شيء خلقوا ، وأنَّ أبليس من جنس الملائكة أم من جنس الشياطين...وهكذا ممَّا لا يأتي على بال أحد إلاَّ في عقول المخرِّفين والبطاليين إذا كان لديهم عقول.. فإنَّ مثل هذا الحشو يقود إلى التخشُّب والتيبُّس الذهني والروحي ، ومن ثمَّ البلادة في الشعور والقلب والأحاسيس ، الأمر الذي يقود إلى التكفير والقتل ، وهو عين ما عاشه الهولنديون في غابر عهودهم وكيف طلع أحد الباحثين الفرنسيين ليتحدَّث عن "الإيمان الذي يقتل"...نعم إنه الإيمان الأعمى الذي يدفع بصاحبه إلى ارتكاب جريمة القتل راضياً مرضياً وبرداً وسلاماً على قلبه..فعندما يكون الرأس محشوَّاً حشواً بأفكار التعصُّب وبالكتب الصفراء والسوداء وفتاوى فقهاء الظلام ، فإنه يحقُّ لي أن أقتلك إذا لم تعتنق ديني ومذهبي ، وبالتالي الموافقة السياسية..بل من واجبي أن أقتلك وسوف يحاسبني الله على تقاعسي إن لم أقتلك وأنفَّذ فيك تلك الفريضة الغائبة والواجب المقدَّس...فإذاً أنت في نظري كافرٌ ومن ثمَّ فوجودك وجود البهيمة سواء