لا شك بان التجربة الطويلة والتماس اليومي بين حزب الله من جهة وبين العدو الإسرائيلي من جهة أخرى ، والصراع الطويل الذي كان يخاض بشكل يومي على ارض الجنوب قد خلق مناخ من الفهم العميق لاليات التفكير عند الطرفين ، فالاسرائيلي يقرأ حزب الله جيدا , كما وان حزب الله على دراية عالية بالاسرائيلي ، وهذا الجو كان قد ساهم به تعدد أوجه المعركة التي كانت تدار بواسطة عقول تدرس وتخطط وتفهم ، وهذا ما كنا نتلمسه بوضوح عندما تأخذ المعركة صورتها المخابراتية او الإعلامية والنفسية ، او عبر احترام الطرفين لوتيرة التصعيد او خفض حالة التوتر , فلم يكن هناك وجود للعبث او الفوضة فالخطوات كلها مدروسة بعناية فائقة من الطرفين ، حتى ان كلا الطرفين صار يحفظ بصمة الاخر عن ظهر قلب ، 
طبعا هذا لا يعني عدم وجود محاولات لتخطي ما هو مرسوم من دوائر وهمية يفهمها الطرفان ، ليحدث حينئذ ما لم يكن متوقع ، كما حصل مثلا حين اقدم الحزب على خطف الجنديين من خارج الخط الأزرق ، وهكذا فقد يعرف الإسرائيلي هوية الصواريخ المتساقطة على ارضه والمجهولة المصدر بانها ليست صواريخ حزباللهية بدون الحاجة الى تبرؤ الحزب منها ، ولا الى معلومات مخابراتية ،
وبالعودة الى الغارات التي استهدفت قواعد عسكرية للحزب على الحدود الشرقية بالقرب من جنتا ، فانا اميل الى تصديق ما تسرب بانها استهدفت شاحنة صواريخ كانت تنقل الى لبنان فهذا ما قد يشكل محاولة جديدة من الحزب لكسر تلك الدوائر المرسومة والتي لا يسمح بها الإسرائيلي حال علمه بها ، وهذا ما فهمته من تلميحات رئيس وزراء العدو ، فالموضوع لا يغدو اكثر من تذكير إسرائيلي بالخطوط الحمراء ، ولا رغبة عنده ولا مصلحة عند الطرفين باعطاء الموضوع اكثر من ذلك ، وهذه النقطة بالذات لم تكن واضحة تماما عند الحزب في الساعات ال 24 التي تلت الغارات ، وما صار مؤكدا اليوم ، فلا الحزب المنغمس بمطحنة الدم السورية حاضر للاستدارة الان ، ولا الإسرائيلي المنتشي حتى الثمالة باصوات الحان فراشات تلك المطحنة هو في وارد التخفيف من حدة دورانها عبر فتح جبهة الجنوب ، لذا فان اغلب الظن ان حزب الله وبعد تيقنه من النوايا الحقيقية عند العدو، فلم يعد ليجد غضاضة بالعودة الى الاعتراف باستهداف مواقعه بعد انكاره ، والاعتراف عبر البيان الرسمي ، وما جاء فيه من تأكيد ان الغارات حصلت على الأرض اللبنانية انما ينبىء عن وجود نية عند حزب الله للرد، وقد يكون هذا الرد على شكل اطلاق عدد من الصواريخ بدون الحاجة اللى ابقاع إصابات بالجانب الإسرائيلي يعتد بها ، لان مثل هذا الرد لن يخرج الأمور عن طور اللعبة التي يتقنها الطرفين ، وعليه فلا بأس بعد ذلك بان يُدرج ببيان الاعتراف عبارة "الزمان والمكان المناسبين" ، طالما انها لن تكون على شاكلة العبارة التي يستعملها الحليف ، ومن الجانب الإسرائيلي فاذا كان الرد لا يؤثر على سرعة المطحنة ان لم نقل انه قد يساهم في تسريعها ، فلا بأس به وسوف يكون ضمن حدود الرد المسموح .