هل أخطأت إسرائيل حساباتها فشنت حربها على قطاع غزة معتمدة على تقارير أجهزتها الاستخباراتية والعسكرية لكسر شوكة المقاومة ليس فقط في القطاع المحاصر بل في الدول المحيطة بها، أم أنّها تعرف حجم القوة العسكرية التي تمتلكها "حركة حماس " وسائر التنظيمات الدائرة في فلكها ومع ذلك اعتبر قادتها أنّ إعلان الحرب في هذا الظرف الاقليمي والتوقيت الدولي هو لحظة سياسية قد لا تتكرر في المستقبل المنظور خصوصًا بعد أن خرجت قيادة "حماس" من سوريا ومن مخيم اليرموك منهكة القوى وعاجزة عن تحقيق أيّ عطف سياسي أو مكسب معنوي باعتبارها غير قادرة على ضبط منظومتها السياسية انطلاقا من الدول التي طالما حضنتها وأعطتها الكثير من الدعم العسكري على غرار سوريا وايران؟
أسئلة مشروعة بعد أربعة وعشرين يومًا من الحرب التدميرية التي يشنها الجيش الاسرائيلي  على قطاع غزة من دون تحقيق أي مكسب أو هدف سوى إعادة التوازن الديمغرافي من خلال قتل وحرج الالاف من الفلسطينيين وتدمير بناهم التحتية ودفعهم الى الهجرة القسرية نظرا لغياب الخدمات الذي سيطول بحسب التقارير الاعلامية والعسكرية الواردة من القطاع المنكوب والعاجز عن الاستمرار في حياته اليومية نظرا لعنف المعارك وحجم التدمير في البنى التحتية والسكنية والرسمية على حد سواء. فكتائب القسام التي تشكل رأس حربة المقاومة الفلسطينية ما زالت تطلق الصواريخ على المستوطنات القريبة من القطاع والبعيدة عنه، كما أنها باتت قادرة على تحقيق إصابات بشرية ومعنوية في بنية الجيش الاسرائيلي وقوات النخبة لديه في مشهد يعتبره الخبراء نسخة طبق الاصل عن حرب تموز اللبنانية الاسرائيلية مع تعديلات طفيفة لم تنجح تقارير لجنة "فينوغراد" ولا سواها من رأب تصدعاتها بالرغم من المناورات العسكرية والحربية والتحضيرات لهذه الحرب التي تشكل مفصلا اساسيا في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وفي هذا السياق، يعرب دبلوسي غربي عن اعتقاده بأنّ إسرائيل أخطأت هذه المرة أيضًا في تقدير حجم الترسانة العسكرية التي باتت تمتلكها حماس خصوصًا بعد حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وهو الاخواني الذي فتح باب التهريب على مصراعيه من خلال الأنفاق المتصلة بالحدود مع مصر ليس فقط لرفد حماس بالمواد الغذائية، بل بالاسلحة والذخائر والتكنولوجيا العسكرية التي تعطي ثمارها منذ اعلان الجيش الاسرائيلي عن البدء بعملية ازالة خطر الانفاق ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية وهذه اهداف لم تتحقق حتى الان بالرغم من الضغوط العسكرية الهائلة التي تعتمدها القيادات العسكرية والسياسية في القطاع.
انطلاقا من هنا، يؤكد المصدر الدبلوماسي أنّ اتصالات دولية ناشطة على أكثر من خط تجري منذ ايام لترتيب وقف اطلاق نار ووضع حد للحرب الدائرة من دون ان تصل الى نتيجة في ظل نجاح الفلسطينيين في منع اسرائيل من تحقيق أي من أهدافها المعلنة أو المضمرة وعدم رضوخهم للضغوط السياسية الممارسة عليهم من بعض الدول العربية والغربية على حد سواء بانتظار ما يمكن أن يحمله تأليب الرأي العام العالمي وتحركه في شوارع بعض الدول التي تعتبر حاضنة لاسرائيل رفضا للمجازر التي تقوم بها اسرائيل في حركة ضاغطة من شأنها ان ترغم حكومات هذه الدول للمسارعة الى ترتيب هدنة طويلة الامد كما حصل في لبنان من دون ان تتمكن اسرائيل من تحقيق اي نتائج ايجابية، بل على العكس لتفسح في المجال امام التصدعات الحكومية في اسرائيل التي فشلت بين حربي تموز 2006 وغزة 2014 في المحافظة على هيبتها العسكرية باعتبارها تمتلك اكبر قوة ردع في المنطقة ما يعني بانه امام الحكومة الاسرائيلية الرضوخ للامر الواقع وفك الحصار عن غزة وفي هذا خسارة مزدوجة اذ انها تكون قد اعترفت بالكيان الفلسطيني في غزة المفتوحة على البحر من جهة واعطت املا لفلسطينيي الضفة باستقلال ذاتي في حال قيامهم بانتفاضة مماثلة قد لا تكون متكافئة القوى الا من حيث القوة المعنوية المترتبة عن نجاح فلسطينيي غزة في افشال المشاريع الاسرائيلية الطوية الامد.