قد يتمسك دعاة الذبح والنحر ، وقطع الرؤوس والأعناق ، بحديث مرويّ عن رسول الله (ص) يذكر فيه أنّه بُعث بالذبح ، وإليك نصّ الحديث قبل التعليق عليه:

 

"عن عبد الله بن عمرو قال: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله (ص) فيما كانت تظهر من عداوته، وقد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحِجْر فذكروا رسول الله فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرّق جماعتنا وسبّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله (ص) فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمرّ طائفاً بالبيت، فلما أن مرّ بهم غمزوه ببعض القول، قال: وعرفتُ ذلك في وجهه، ثم مضى (ص) فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفتُ ذلك من وجهه، ثم مضى (ص) ومرّ بهم الثالثة غمزوه بمثلها، ثم قال (ص): أتسمعون يا معشر قريش أمّا والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح، قال: فأخَذَت القومَ كلمتُه حتى ما منهم رجل إلاّ لكأنّما على رأسه طائر واقع، حتى أنّ أشدّهم فيه وطأة قَبْل ذلك يتوقاه بأحسن ما يجيب من القول، حتى أنّه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشداً فوالله ما كنت جهولاً"[28].

وقد اتخذ التكفيريّون هذه الرواية مستنداً لأعمال العنف وسفك الدم التي يُقْدِمون عليها، كما أنّ بعضهم رفعها كشعارٍ له، إلاّ أننا نرفض هذا الحديث رفضاً قاطعاً، وذلك لسبَبَيْن:

أولاً: إنّه يجعل الهدف من بعثة النبي (ص)، أو عنوان رسالته ذبحَ الناس، وهذا مخالف للقرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]، ولِمَا رُوِيَ عنه (ص): "إنّما بُعِثت رحمة مهداة"[29] إنّ شعار "جئتكم بالذبح" هو شعار تنفيري إقصائي دموي، فكيف يرفعه النبي (ص) ويجعله عنواناً لدعوته ولا سيما أنّه لا يزال في مرحلة الدعوة إلى الله؟!

ثانياً: إنّ هذا الكلام قيل في مكة قبل الهجرة كما يدل سياقه، وعندما خاطبهم النبي (ص) بعبارة: "لقد جئتكم بالذبح"، كما يفترض الحديث خافوا وأُصيبوا بالذعر، وهذا الأمر يبعث على التعجّب والاستغراب، لأنّ المرحلة المكية امتازت باعتماد النبي (ص) فيها أسلوب المداراة والصبر والأناة وتحمّل الأذى، كما أنّ موازين القوى كانت في غير صالحه، فكيف يواجههم بهذه الكلمة وهو لا يملك دفع الأذى عن نفسه فضلاً عن أصحابه؟!

ثم كيف يصاب هؤلاء بالخوف والذعر حتى يقول بعضهم له: "اذهب راشداً"، مع كونهم في عزّ قوتهم وجبروتهم وعنادهم؟! إنّ ذلك غير مفهوم بحسب المنطق الطبيعي للأمور!

إلاّ أن يقال: إنّ الله سبحانه وحماية لنبيّه (ص) المهدّد من قريش قد أوحى إليه أن يواجههم بهذه الكلمة، أو أجراها على لسانه، الأمر الذي أوقع الرعب والخوف في قلوب المشركين بطريقة غير اعتيادية، بيدّ أنّ هذا لو كان محتملاً ووارداً كان معناه أنّ العبارة المذكورة هي نفسها واردة في سياق التخويف والتهويل في محاولة لحماية النفس أكثر من ورودها على نحو الجد لتكون قاعدة للنبي (ص) وللمسلمين في التعامل مع غيرهم.