وإنّنا نرى أنّ السبب الرئيس الكامن وراء هذه الثغرات والأخطاء هو عدم إدراك وظيفة الخطاب الإسلامي ودوره في عملية النهوض بالأُمّة، ويكشف عن اختلال المقاييس والموازين التي تجعل المسلم يميّز بين المقدّس وغير المقدّس من التراث، وتمنعه من الخلط بين ما هو تاريخي وما هو عقائدي، أو بين ما هو تاريخي وما هو تشريعي.

ومن أمثلة الخلط بين التاريخي والعقائدي: الخَلْط بين منصبَي الإمامة والخلافة الثابتَيْن لأئمّة أهل البيت (ع)- حسب اعتقاد الشيعة- مع فارق رئيسي بين المنصبَين، فالإمامة بما تمثّله من استمرار مهمّ للرسالة دون نبوّة هي منصب ديني يدخل في دائرة المقدّس والعقائدي، بينما الخلافة بما تعنيه من ولاية سياسية وتنفيذية تعنى بحفظ النظام العام، هي مجرّد منصب زمني يمكن انفكاكه عن الإمام، دون أن يضرّ ذلك بإمامته، كما حصل عمليّاً مع معظم أئمّة أهل البيت (ع) حيث أُقصوا عن حقّهم في الخلافة، ولعلّه لذلك، نجد أنّ جُلّ ما ورد عن رسول الله (ص) بشأن عليّ (ع) والأئمّة من وِلْده قد ركّز على إمامتهم ومرجعيّتهم العلميّة والفكريّة أكثر ممّا ركّز على مرجعيّتهم السياسيّة.

ويُعتبر الفقيه الكبير السيد البروجردي من أوائل مَنْ تنبّه لهذا الفارق بين الإمامة والخلافة، ولذا كان يرى:

"أنّ المطلوب من الشيعة في العصر الحاضر تأكيد المرجعيّة العلمية لأهل البيت (ع) والسكوت عن قضية حقّ عليّ وأولاده في الخلافة"، وكان يقول- كما ينقل بعض تلامذته-: "إنّ الخلافة ليست من القضايا التي يحتاجها المسلمون الآن، بل هي قضية تاريخية ترتبط بالماضي، ولا ضرورة أن يعرف المسلمون مَنْ كان الخليفة في الماضي ومَنْ لم يصل للخلافة، أمّا الذي يجب أن يعرفه المسلمون كافة اليوم وهو مورد احتياجهم، فهو المرجع الذي ينبغي أن يأخذوا أحكام دينهم منه.. " .

وأمّا أمثلة الخلط بين التاريخي والتشريعي فهي كثيرة جداً، فإنّ الكثيرين يختلط عليهم الأمر ولا يميِّزون بين ما هو تاريخيّ ومرتبط بمستوى التطوّر الحضاري للأُمة، وبين ما هو مولوي تشريعي، وعلى سبيل المثال: لا يزال البعض إلى يومنا هذا يُصرّ على ضرورة ارتداء الرجل ألبسة معيّنة، بكيفيات خاصة اقتداءً برسول الله (ص)، مع أنّ لقائل أن يقول: إنَّ قضية اللباس في شكله ترتبط بالعادات والتقاليد أكثر ممّا ترتبط بالتشريع، ولذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع) "خير لباس كلّ زمان لباس أهل زمانه" .