يعترف لودفيك فان بيتهوفن بأنه جمهوري وديمقراطي وهذا ما دفعه إلى الإنبهار بنابوليون بونابارت الذي جسّد له فكر عصر الأنوار كونه رمزاً للثورة الفرنسية وكونه معادل برأي بيتهوفن لكبار قناصل الرومان وهذا ما زاد من حماسته في تتيع مسيرة هذا البطل .

 


لم يكن بيتهوفن وحده من المبدعين المتأثرين بشخصية بونابارت فجيل كامل من العمالقة الألمان أبدى تعلّقاً بنابوليون ككنط وغوته وهولدرلن وشلر وهيغل .وهذا ما دفعه أيضاً عام 1803 إلى إرتكاب تهور فادح كما قال  يإهداء نابوليون السمفونيا الثالثة والتي أسماها " البطولية " إذ أنّه لم يتصور وقتئذ أنّه سيعلن ذاته إمبراطوراً وسيغزو أوروبا حتى مجاهل روسيا حاصداً أرواح مئات آلاف المواطنين .

 


عندما ذُهل بيتهوفن بخبر إعلان نابوليون نفسه إمبراطوراً قال : إذاً هذا النابليون ليس سوى رجل عادي كسواه نشوان بسكرة الحكم ، يعميه الطموح، يحركه التكبر ، قادر أن يقمع الحريات وأن يتحوّل طاغية ليفرض سلطته .
أدان بيتهوفن نفسه أيضاً وقال : كنت ساذجاً متحمساً لوصولي إنتهازي مسكون بجنون العظمة فهرع إلى مخطوطة السمفونيا البطولية وبطرف سكينه محا كليّاً عن صفحة الإهداء الأولى اسم بونابارت وحين إنتصر نابوليون على البروسيين في معركة إيينا إنتابه غضب جامح وقال : لو كانت لي قدرة الحرب كما لي قدرة الموسيقى لكنت هاجمته وكسرته .

 


في موقف آخر ذهب بيتهوفن مع الأمير كارل ليشنوفسكي الى سيليزيا وكان جيش نونابارت يحتلها وهناك طلب منه الأمير أن يعزف مقطوعات لضباط فرنسيين كانوا في قصر الأمير فرفض بيتهوفن وهدده الأمير بالسجن فخرج من القصر مصفقاً وراءه الباب غير آبه بالتهديد وبعد مدّة كتب بيتهوفن رسالة للأمير وجاء فيها : أيّها الأمير ، ما أنت عليه ، جاءك من صدفة ولادة . ما أنا عليه جاءني مني أنا . الأمراء موجودون وسيوجد مثلهم بعد آلاف . إنما لا ولن يوجد إلاّ بيتهوفن واحد .

 

 

هذا الموقف التاريخي لمبدع غير متوفرعندنا من قبل من هم أدنى بسنوات ضوئية من بيتهوفن من نخب تموت على كعاب الزعماء الطواغيت والمستبدين من دينيين ومدنيين ممن تزدحم سجونهم بالمعتقلين وممن يتحكمون بالبلاد وبالعباد بالحذاء وممن يخوضون بإسم الأمّة المعارك وسلام الشجعان بحسب الأهواء والمصالح وكلها تعكس خسائر فادحة ومع ذلك يطلع شاعر من هنا وفيلسوف من هناك ومثقفون ومتعلمون ورجال دين وباعة خردة للثناء على الهزائم وجعلها بطولات تاريخية فريدة لا مثيل لها .

 


لقد شبعنا مدحاً من المثقفين القوميين بأبشع نظامين عرفتهما أمّة العرب في العراق وسوريا كما أقلقنا الستالينيون العرب في تحليلاتهم البطولية عن الإسلاميين من تورا بورا إلى حروب الفتن المذهبية  بعد أن خسروا موقعهم السوفياتي ووجدوا ضالتهم في الإسلام التكفيري الذي يشبههم في كل شيء وكما هي أحوال اهل اللحى الذين يفتون بحرمة القيام على المستبد والطاغية طالما أنّه يقطع رؤوس الناس بسيف الإسلام ومطبقاً لحدود الشريعة .

 


يزداد لحس ألسنة أكثرية المثقفين العرب والمسلمين لشسع نعل طاغ ومستبد طمعاً بدسم معاوية أو إيماناً منهم بعبادة ما كان يعبد أجداد معاوية و لم تفلح كل أدبياتهم في جعل هؤلاء الطواغيت قادة فعليين في أمّة لم يحكمها إلاّ طاغوت وفي بلد حاربته النخبة اليسارية بكل أشكالها ومازال بقاياها على همّة السفّ بلبنان وزادت من حماستها طبقة سياسية تجدّد سلبها الذي شرعته لها طوائفها وما فيها من مثقفين يجعلون من فسادها إصلاحاً باهراً ومن طواغيتها خوارق وخوازق لا مثيل لهم في متاحف القرود .