الجو السائد حتى ايام قليلة، كان يقول أن حركة أمل ورئيسها نبيه بري هم أرباب الفساد وعرابوه، وكنا نلقي اللوم دائما على حزب الله كيف يتحالف مع حركة امل وفسادها، وننقاش مع الاخوة في الحزب عن المبررات الشرعية والانسانية فيأخذ هذا النقاش مداه الديني والاعتقادي وحتى الوطني، ويكون الجواب المعروف عن ضرورة حفظ الطائفة ووحدة الشيعة وتجنب الفتنة وما الى هنالك من هذه السينفونية.

 


 
بمراجعة سريعة على أرشيف الصحف منذ إعلان لبنان الكبير، ندرك ان "الفساد" هو السمة المترافقة على الدوام مع كل العهود والحكومات وفي كل الظروف التي مر فيها لبنان، وعليه فحركة امل لم تكن استثناءا على هذا المسار، بل يمكننا القول بان النظام اللبناني العفن وطبيعته الطائفية والطريقة المتخلفة في توزيع مغانم السلطة فرض على حركة امل وعلى الرئيس بري كممثل حصري للشيعة في مرحلة من المراحل ان يسيرا في هذا الركب ولطالما صرح الرئيس بري بذلك ولم يدعي يوما انه خارج هذا السياق( بدي حصتي) و (وع السكين يا بطيخ) 

 


إلا ان استحصال حركة امل على حصة الشيعة، رغم ما يشوب هذا الوضع من خلل وتجاوزات، الا ان حركة امل حافظت الى حد بعيد على اعتبار هذا الوضع غير طبيعي ولم ترتضي لنفسها تبرير بعض التجاوزات من هنا او هناك ( طرد ومحاسبة وزراء ومسؤولين حركيين )

 

 

 وحرصت الحركة ان يكون توزيع الحصص والاستئثار بها ضمن سقف المحافظة على المالية العامة وبقاء هيكل الدولة ومؤسساتها وفق مصالحها والاهم من كل هذا انها لم تصل بها الحال الى مرحلة فلسفة الوضع الشاذ، وبالتأكيد لم تبرره وتجعل منه قاعدة ، فضلا عن إضفاء شرعية دينية عليه، فحركة امل بمشروعها وادبياتها الوطنية هي تؤمن بلبنان وطن نهائي لجميع ابنائه، وتؤمن على خطى الامام الصدر بمشروع الدولة الوطنية ومؤسساتها.

 


 
أما ما نشهده هذه الايام، بعد فرض حزب الله سيطرته على لبنان وعلى القسم الاكبر من الطائفة الشيعية، هذا الحزب الذي لا يؤمن بلبنان الا كونه ساحة جغرافية لخدمة مشروع ولاية الفقيه، وبالتالي فهو لا يكترث البتة ببقاء مؤسساته الوطنية واستمرار بناء الدولة الا اذا كانت في خدمة مشروعه العقائدي فقط.

 

 


 
فإذا علمنا ان مشروع الحزب ( ولاية الفقيه ) هو مشروع غريب عن البيئة اللبنانية وعن قسم كبير جدا حتى من بيئته الحاضنة ، وأكثر من ذلك فإن مشروع ولاية الفقيه هو النقيض الحتمي لمشروع الدولة وقيامها، ندرك حينئذ أن الحزب حريص كل الحرص على تدمير بناء الدولة واهترائها كما هو حاصل وبكل الطرق والاساليب، وإن انتشار الفساد وبقائه واستمراره هو بمثابة الرئة التي يتنفس منها، والقلب الذي يضخ الحياة في عروقه،  ومن هنا يمكن ان نفهم هذه الاستماتة على حماية المافيا وبقائها بالسلطة، وهذا الدفاع المريب عن العهد وصهره مع اليقين بفسادهما وفشلهما .

 

 

فتحول الانطباع العام لدى معظم اللبنانيين، بان الحزب ليس فقط يحرص على بقاء السلطة وفسادها بل انه يقف سدا منيعا امام اي تغيير واي اصلاح حتى لو كان سوف يأتي من المافيا نفسها ( لضرورات تجنب الانهيار)، والأخطر أن مع الحزب بدأنا نشهد وللمرة الاولى في تاريخ لبنان فلسفة هذا الفساد وضرورته ووجوب استمراره وشرعنته مرة من خلال اعتبار التهريب وجه من وجوه المقاومة ومرة من خلال تبرأة السلطة ورمي فسادها على الخارج واميركا تحديدا واعتبار التدهور هو الاخر وجه من وجوه الصراع مع الاستكبار والامبريالية 

 


ختاما يمكن القول في مجال المقارنة بين " فساد " حركة امل والقوى الطائفية، وبين الفساد زمن حزب الله وبكل اريحية مقولة :" ليس من اراد الحق ( الاصلاح ) فأخطأه، كمن اراد الباطل( الفساد ) فاصابه "وعليه فالعتب الان هو على حركة امل كيف تتحالف مع حزب اخذ لبنان نحو الدمار والانهيار ولم يعد وطنا لاحد من ابنائه ... هذا مع الاعتذار من حركة امل .