إن كل ما يحتاجه هذا النظام الان، هو فقط شخصية متشدد تستطيع أن تُقدم على هذا الامر بدون التوجس من إنكشاف هزيمته أمام جمهوره، وهذا هو الدور الذي سوف يضطّلع به رئيسي في المرحلة القادمة .
 

صحيح أن الانتخابات الايرانية بآلياتها المعروفة، والتي تنزع عنها الحد الادنى من وصفها بالانتخابات الحقيقية، التي من المفترض ان تعكس خيارات الناخب وتطلعاته، وهذا متعذر كما هو واضح في ايران، بحيث ان المواطن الايراني ينتخب ولا يختار، والعملية الانتخابية هذه إنما تعكس تطلعات النظام ( المرشد ) وليس تطلعات الشعب، الا ان هذا كله لا يعني ان اختيار ابراهيم رئيسي ، المتشدد والمقرب جدا من المرشد وحامل وسم العقوبات الاميركية بوصفه منتهك لحقوق الانسان ومساهم بقتل عشرات المعارضين الايرانيين، ليس له مداليل وتبعات ويحمل مؤشرات معينة، خاصة انه يأتي في مرحلة حساسة جدا من تاريخ ايران الغارقة ببحور ازماتها الداخلية والخارجية.

 

 

في الدول الديمقراطية الطبيعية، فإن وصول متشدد أو راديكالي الى سدة السلطة، أميركا ( ترامب ) أو فرنسا ( لوبان ) إسرائيل ( بينت ) ، تعني بالضرورة أن المرحلة القادمة سوف تتسم بالتشدد والسخونة والاضطرابات وصولا حتى إلى الحروب.

 

 

أما في ايران، فإن الوضع مختلف تماما، فالنظام القائم على الخطابات الشعاراتية والمستمد شرعيته على عناوين تضليلية لمعارك وإنتصارات ومحاربة العدو والقوة والعزة والكرامة والصمود والتحدي وما إلى هنالك من شعارات صوت المعركة التي يعلو فوقها أي صوات ... فإن هذا النظام حين يصل إلى لحظة الحقيقة، ويدرك أن لا مندوحة أمامه سوى التراجع والتنازل والتقهقر أمام الازمات الخطيرة التي تهدد وجوده، 

 

 

إقرأ أيضا : الخامنئي ينتخب الخامنئي

 


 ومن اجل إرضاء خصومه فإنه يحتاج حينئذ وقبيل السير بخطوات تراجعية، بأن يضع في واجهة المشهد السياسي شخصية لا شك في تاريخها، وتصلبها وتشددها، من أجل ضمان أي ترددات لخطواته التنازلية وانعكاساتها السلبية على جمهوره المتحمس والمصدق ان هذه القيادة " الشجاعة " لا يمكن ان تُقدم على أي تنازل أو تراجع، فيستسيغ هذا الجمهور حينها بسهولة دعاية الانتصار ولو بطعم الهزيمة ! 

 

 

فكما انه لم يكن ليجرؤ أحد في لبنان على إعلان الوصول الى إتفاق إطار تفاوض مع " اسرائيل " من أجل ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين ( لبنان – اسرائيل )، سوى شخصية " مقاومة " وحامية " للمقاومة " وحليفة " مقاومة " كالرئيس نبيه بري، من دون ان يرف جفن عند جمهور الممانعة، ومن دون الحاجة الى سيمفونية التخوين او الاتهام بالعمالة او غنّية الانبطاح والتطبيع والذل والانصياع .

 

 

كذلك هي حال إيران اليوم، سوف تكون بعد تعيين ابراهيم رئيسي، فأنا  أعتقد أن النظام الإيراني، قد حزم أمره وحسم خياره بالذهاب للرضوخ صاغرا أمام الشروط الاميركية وتنفيذها حرفيا، من أجل إنقاذ نفسه، والوصول إلى اتفاق نووي.   جديد يؤدي إلى رفع العقوبات التي انهكت إيران وتهدد إمكانية إستمرار نظامها ، وبالتالي فإن كل ما يحتاجه هذا النظام الان، هو فقط شخصية متشدد تستطيع أن تُقدم على هذا الامر بدون التوجس من إنكشاف هزيمته أمام جمهوره، وهذا هو الدور الذي سوف يضطّلع به رئيسي في المرحلة القادمة .