عاتبني ولدي على تربيتي له وفق شروط الإستقامة ووجوب الصراط وحب الله والوطن والتمسّك بحبل الناس نجاة له من خبث الدنيا وتمسّكاً بدعوات الدين وهذا ما أرهقة وأرّقه لعدم تمكّنه من الإنخراط في الوسط الإجتماعي وهذا ما دفعه الى وحدانية وجدانية غير قابلة للتفاعل مع محيط التأثيرات الخارجية الراضخة لمنطق ولشروط أخرى يلعب بها سفهاء ويتحكم بها زعران يفرضون ما يريدون دون إذن أو دستور طالما أن لا مكان في لبنان لمن صان نفسه وقرّر أن يكون مواطناً شريفاً يحذو حذو القانون .

 


قديماً قبل الحرب الداخلية كانت السلطة تعتمد على الزعران و أولاد الشوارع لإستخدامهم حيث تقتضي ملفات الأمن وكان الإقطاع السياسي أيضاً يعتمد على الفتوة و أصحاب القبضة لتعزيز زعامة هنا وللدفاع عن زعامة هناك . وكانت الأحزاب الوطنية الصاعدة ضدّ السلطة والإقطاع تعتمد الآوادم وتبحث عنهم كي ينتموا اليها والى أفكارها اليسارية والقومية والوطنية وهذا ديدن التجربة الحزبية بكافة ألوانها وأطيافها واستمرت على استقبال بشر أسوياء لأن في ذلك استقطاب مباشر للجماهير التي تتأثر بالفئات المتعلمة والمتربية ذات الصيت والسمعة الحسنة .

 


مع قيام الحرب بدأت بعض الأحزاب تستقطب سفهاء القوم ومن ثمّ دفع طول الحرب بالجميع الى استقطاب الزعران لحاجة المتاريس اليهم وحتى لا يتم استخدامهم من قبل طرف آخر لقدرتهم غير العادية على إحداث خلل في ميزان القوة الشوارعية وهكذا بات الآوادم أقليات في كل حزب سياسي حتى صرّح أحد رؤساء الأحزاب المتوفين ردّاً على التصرفات المشينة لمسلحيه : هول الموجودين عنا شو منجبلكم عناصر من سويسرا . 

 

إقرأ أيضا : الحرب في غزّة والرصاص في صبرا

 

 


ثمّة منافسة كبيرة بين الأحزاب الحالية وفي الطوائف كافة على تنسيب السفيه وهذا ما يتضح من خلال التعبيرات القائمة في الشوارع اللبنانية كافة ولا حاجة لذكر الأمثلة ففي سلة كل لبناني أمثلة لا حصر لها وهذا ليس تنكيلاً بالأحزاب بالقدر الذي يحط من مستوى العمل الحزبي وليس تسفيهاً بالسفيه لأن المجموعات المهمّشة هي في الوطن العربي مصدر التغيير لأن الأزعر وحده من يملك القدرة على المواجهة ومهما كان نوعها لذا تعتمده السلطة وتعتمده الأحزاب أي المعارضة أيضاً وتراه حاضراً وبقوّة في أعمال التخريب والتنكيل والبطش والقتل وقطع كل وصل وإحراق كل أخضر ويابس .


في حين أن الآدمي لا يستطيع فعل أي شيء من هذا القبيل ولا يمكن أن يغير من واقع أي بلد عربي- إسلامي لأنه يمارس التقوى السياسية ولا يمارس العنف سواء كان مع السلطة أو واقفاً في صفوف المعارضة .


حتى في الأزمات القائمة يحصل السفيه على حاجته من البنزين الى المازوت الى الخبز الى كل ما هو مأزوم ولا يقف في الطابور ولا يصطف مع المصطفين للحصول على حقه فالتجّار يهابونه ويخافون منه لذا يتقربون منه بإسترضائه وبتلبية حاجاته بدون منّة كما يفعلون مع الآوادم وكذلك حاله مع السياسيين الذين يبحثون عن رضاه .


عُذراً يا بُني .. قيل : لا بُدّ للسلطان من فقيه يُرشده ومن سفيه يعضده فحذت السلاطين حذو القول المأثور .