سماحة الشيخ محمد علي الحاج من القلة القليلة التي تحاول التغيير بالفعل لا بالقول , يقتحم الواقع لتقديم البديل والرأي الآخر , ناشط على أكثر من صعيد , جولاته في مواجهة السائد الشيعي أصبحت معروفة و لعله الوحيد الذي تصدى لاحتكار القرار الشيعي متسلحا بالقانون وهو الذي تقدم بالدعوى المشهورة ضد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى للمحافظ على حقوق الطائفة وفك هذا المجلس من الاسر السياسي .
الشيخ محمد علي الحاج ناشط على مستوى اللقاء الروحي في الجبل وتميز بحضور فاعل على هذا الصعيد .
موقع لبنان الجديد التقى سماحة الشيخ وأجرى معه حوار حول عدد من القضايا العامة .

أجرى الحوار : كاظم عكر

_ ينشط سماحة الشيخ محمد علي الحاج على صعيد التغيير في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ما هي رؤيتكم البديلة وما هو المشروع الذي تحملونه عل هذا الصعيد .


السبب الرئيس الذي كان وراء تأسيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى هو تأمين فسحة للقوى والشخصيات الشيعية،وكان الهدف من المجلس أن يشكل (منتدى) للشيعة المختلفين سياسياً وثقافياً واجتماعياً.. وقد لعب المجلس دوراً محورياً في الساحة اللبنانية عقب تأسيسه، وكان له حضوراً وازناً على مختلف الأصعدة،ولكن عقب رحيل المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين فَقَدَ المجلس دوره، وأريد له أن يكون يوماً لساسة الشيعة فقط، وتالياً انتفى مبرر وجوده.
حيث أن تأسيس المجلس الشيعي جاء لأهداف سياسية واجتماعية، وليس لخلفية دينية، ومن يدقق في المادتين الأولى والثانية من قانون تنظيم شؤون الطائفة الشيعية، الصادر في العام 1967، يلحظ ذلك بوضوح.
على كلٍ فإن تغييب الدور الاساسي المطلوب من المجلس الشيعي القيام به، هو الذي الزمنا السعي الحثيث لاعادة الامور لنصابها.
وأما بالنسبة للبديل فالمفروض إنتاجه عبر انتخابات عامة في الطائفة، تؤدي للمجيء بطاقم جديد، يعبر عن إرادة المجتمع الشيعي الحالي، لأنه من غير المعقول أن لا تحترم القوي السياسية الشيعية الحالية، الواقع الشيعي اليوم، حيث أن من واجبها مواكبة حركة التطور لدى الشيعة، واحترام الحضور الوازن للطائفة الشيعية في الساحة اللبنانية، لأنه لا يجوز ان نبقى في ظل هيئة عبّرت عن طموحات الشيعة منذ أربعة عقود!!!
بل علينا مواكبة طموحات الأجيال اللاحقة من جهة، ومن جهة ثانية الترقي لمستوى الحضور السياسي الحالي للشيعة في لبنان.

_ تقدم سماحة الشيخ بدعوى ضد المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى هل يمكن أن تضعنا في أجواء هذه الدعوى .؟

جاءت الدعوى في مجلس شورى الدولة عقب سلسلة من المطالبات والمحاولات السابقة للاصلاح في هذه المؤسسة، فعقب وفاة الشيخ محمد مهدي شمس الدين نشرت مقالاً في جريدة النهار تحت عنوان " رئيس غير حزبي"( في 25و26 نيسان 2001) دعوت فيه لتعيين بديل للشيخ محمد مهدي من غير الحزبيين، مؤكداً على أهمية إبقاء المجلس خارج الهيمنة الحزبية.وفي العام 2008 نشرت كتاباً "المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى" الادوار، الواقع، افق" وكان أول دراسة عن واقع المؤسسة الرسمية الدينية الشيعية في لبنان، ومازال لتاريخه الوحيد في هذا المجال، كما حوى جملة اقتراحات لتطوير أنظمة المجلس والافتاء والقضاء.
وبعد عدة مساعي في هذا الاطار، لنخبة من علماء الطائفة وشخصياتها السياسية، لا سيما الدور المحمود للرئيس حسين الحسيني، فقد بقي الوضع على ما هو عليه
ويبدو أن ساسة الطائفة مستفيدون بشكل مباشر من غياب الدور الوطني
والشرعي للمجلس الشيعي، لأن اي حضور متوقع له سيكون على حساب الحضور السياسي للقوى السياسية، لذا نلحظ اتفاقاً ضمنياً بين قوى الأمر الواقع على إلغاء دور المجلس الشيعي.
وفي هذا الجو شعرنا بضرورة الانتقال من مرحلة التعاطي بشكل دبلوماسي مع هذا الملف، إلى مرحلة أكثر جدوى، فكان العزم على تقديم دعوى للسلطة اللبنانية لدعوتها للقيام بواجباتها في ترتيب أمور المجلس الشيعي، الذي يتبع إدارياً لرئاسة مجلس الوزراء.
فكان أن تعاونتُ مع راشد صبري حمادة ولقمان محسن سليم، في سبيل ذلك، فلجأنا إلى رئاسة مجلس الوزراء، ثم إلى مجلس شورى الدولة... والدعوى ما زالت لدى المجلس، وقد حصل تبادل لوائح بيننا وبين النائب الأول السابق لرئيس المجلس الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان.
والدعوى في اطارها الصحيح، وما زال مسارها قيد الدراسة الطبيعية والمعتادة، ومجلس الشورى يقوم بواجباته على أتم وجه..
هذا مع العلم بان الوقائع التي أوردناها لا مجال للتنصل منها، حيث الشغور القانوني مستشري في المجلس على أكثر من صعيد، وما تبقى تعينيات غير شرعية، واذا أردنا أن نلقي نظرة موجزة على واقع المجلس نرى:
أولاً: ان منصب رئيس المجلس الشيعي شاغر، وذلك منذ وفاة الامام شمس الدين  (في كانون الثاني 2001) علماً أن القانون ينص على انتخاب خلف خلال فترة الشهرين من الشغور... ولكن لتاريخه لم يجر انتخاب خلف له
ثانياً: ان منصب النائب الأول للرئيس هو شاغر منذ سنوات، واعتبار ان الشيخ قبلان هو النائب الأول هذا انتحال صفة، كونه في الواقع " النائب الأول السابق" فولايته انتهت، ولا يحق له الاستمرار في هذا المنصب، وعليه لسلطة اليوم، على قاعدة الحكم استمرار، للهيئة الشرعية، وليس لأحد أعضائها " الشيخ قبلان".
ثالثاً: ان منصب النائب الثاني لرئيس المجلس الشيعي قد شغر منذ ثلاث سنوات تقريباً، عند وفاة الدكتور عدنان حيدر، ولم يتم انتخاب البديل لحينه.
رابعاً: لقد انتهت ولاية الهئيتين الشرعية والتنفيذية في العام 1981، وحينها لم تجر الانتخابات نتيجة ظروف البلد الداخلية، ومع كوننا انتهينا من الحرب منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكن لتاريخه لم تجر الانتخابات كما وقد مددت ولاية الهيئتين أكثر من مرة، وآخر تمديد لهما انتهت مفاعليه في حزيران 2002، وعليه فمنذ 11 عاماً انتهت ولاية الهيئتين الشرعية والتنفيذية الممدة.
وفضلاً عن الشغور في مواقع أخرى، من قبيل : الامين العام، ولجنة التنظيم والادارة،وسواهما فان هناك اليوم العديد من التجاوزات الحاصلة، منها
1- في مجال توظيف الاقارب، مثل تعيين الشيخ عبد الامير قبلان لبقية أولاده وأقاربه وانسبائه... فكل تعيين حتى الدرجة الرابعة باطل قانوناً.
2- استحداث بدعة جديدة، اسمها "مفتي في ملاك المجلس" وهذه بدعة لا تستند إلى ركن وثيق.
3- تعيين بعض الحزبيين في مواقع دينية، علماً أنه يفترض أن لا يشغل الحزبي مناصب في الافتاء والقضاء.
4- تعيين مدير عام للتبليغ الديني بصورة مخالفة للرقانون، وهو القاضي عبد الحليم شرارة، حيث تمنعه وظيفة من تبوء هذا المنصب على اعتبار أنه قاضيٍ وله ضوابطه الوظيفية المحددة في قانون " توجيه الجهات" ولا يحق له تجاوزها.
5- تعيين محمد حرب مديراً عاماً للأوقاف بصورة غير شرعية ايضاً، على اعتبار أنه موظف فئة ثانية في ملاك مجلس الجنوب، ولا يحق له الجمع بين وظيفتين في مؤسسات الدولة.
وباختصار ان كل ما مرَّ ذكره، وغيره، جعلنا نتوجه للسلطة اللبنانية، لمطالبتها القيام بواجباتها ، ولمنع كل هذه التجاوزات الموجودة حالياً في مؤسسة عامة من مؤسسات الدولة ،هي المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى.

_ شهدنا انطلاقة اللقاء الروحي في جبل لبنان وحضور فاعل لسماحة الشيخ كيف نتعرف اكثر على هذا اللقاء .

نتيجة تراكم نشاط مشترك بيني وبين اخوة كرام من الطائفتين السنية والدرزية الكريمتين( لا سيما الشيخ عامر زين الدين مستشار شيخ عقل الطائفة الدرزية، والشيخ اياد العبد الله إمام بلدة شحيم .الشوف) واستشعاراً منا لمخاطر قادمة....، أخذنا نبلور فكرة تشكيل عمل ديني جامع وطني...
وهكذا تراكم لدينا مجموعة أنشطة في أكثر من منطقة لبنانية، لا سيما في عدد من قرى بلدات جبل لبنان، وفي هذه الاثناء تفاعل معنا العشرات من علماء الدين المسلمين والمسيحيين في منطقة الجبل( من أئمة قرى وكهنة رعايا، وكنائس، ورؤساء أديرة...) ثم لاحقاً انضم إلينا مجموعة من رهبان وكنهة، وتالياً شكلنا " اللقاء الروحي في جبل لبنان".
وقد أتى تشكيل اللقاء بصورة عفوية، ونتيجة تداعينا البريء، كما وقد هدفنا من الانطلاق من قاعدة "جبل لبنان" للرمزية الكبرى لهذا الجبل، ولما يتضمنه من اختلاط مميز ، ناهيك عن الدور المركزي له في تاريخ لبنان، ولاحتواء على قوى سياسية لبنانية، وازنة في المعادلة اللبنانية الداخلية.
وعقب تشكيل اللقاء حصل تجاوب ملفت مع نشاطنا، وكلما تزايد نشاطنا كلما لحظنا رغبة متزايدة بالتواصل والتفاعل معنا كما ان تفاقم حدة التشنجات السنية – الشيعية ساهم مساهمة فعّالة في التوجه إلى ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان، ومن هذه الأطر العاملة في هذا الصدد اللقاء الروحي، الذي يسعى ليشكل صمام أمان وطني
ومع شعور المسيحيين والدروز بازدياد الخطر الناجم عن سوء العلاقات السنية- الشيعية... 
وتالياً قياماً بالواجب الاخلاقي والوطني، فقد سعى نخبة من علماء الدروز والمسيحيين لمحاولة تخفيف هذه الحساسيات، وفي هذا الاطار أتى تجاوبهم مع اللقاء الروحي، كموقف رافض لأي اقتتال داخلي.
حيث ان الخطر الذي يحتمل أن يتأتى من الصراع السني- الشيعي لن تكون تداعياته على السنة والشيعة فقط، بل سيشمل كل مكونات الوطن.
المهم يأتي "اللقاء الروحي في جبل لبنان" ليقدم نموذجاً فريداً ، تمَّ توليده من نتاج حراك عفوي لبناني،بعيداً عن السياسة، سواء في الخلفيات أو الاهداف، ودون أن يكون تكراراً وتقليداً لأطر أخرى.

 
_
 ينشط سماحة الشيخ على مستوى المستقلين الشيعة كيف يرى سماحته هذا الحراك الشيعي المستقل وهل يحمل مشروعا محددا وما جدوى تحقق هذا المشروع؟
الأزمة الداخلية اللبنانية منذ عقد ولتاريخه، في أغلبها ناشئة من الآحدية الشيعية في القرار السياسي العام للطائفة، ما ولّد تعقيداً في عملية إدارة البلاد.
وقد يعتبر البعض أن هذا الكلام مبالغ فيه، لكن في الحقيقة أن مدخل الحل لأزمة الحكم في لبنان، يبدأ من ايجاد التعددية السياسية الحقيقية لدى الطائفة الشيعية وصحيح أن هناك بعض وجوه الاحتكار في بعض الطوائف الأخرى، لكن مع ذلك توجد بعض القوى التي لديها شيء من الحضور ضمن تلك الطوائف ، وأما لدى الشيعة فان هناك قرار وخطة من أكثر من دولة اقليمية، عمل عليها منذ أكثر من عشرين عاماً، لمنع التنوع في الطائفة الشيعية، وتلاقى ذلك مع سوء تعاطي حيال حالات الل قوى اعتراض الشيعي، من قبل قوى 14 آذار والحلفاء... ما أدى إلى تكريس القرار الشيعي الموحد.
وعليه فلن يستقيم أمر لبنان في ظل الحكم بإسم طائفة وازنة، بشكل فردي، ومن دون ايجاد حياة سياسية سليمة ضمن هذه الطائفة، حيث أن الطائفة الشيعية ليست طائفة عادية، بل لها بعض الخصوصيات، وإن على مستوى ارتباطها مع أكثر من دولة فاعلة في المنطقة، وان على مستوى قوتها العسكرية....
ومسؤولية خلق التنوع في الساحة الشيعية هي مسؤولية شيعية بالدرجة الأولى قبل غيرهم، وعلى غيرهم واجبات في هذا الصدد.
وقد عملتُ في هذا الاطار منذ سنوات طويلة، وبشكل دؤوب، وكانت لي مساهمات عدة، كما عملت على جمع عشرات الشخصيات السياسية، وتذييل العقبات بينهم، كل ذلك سعياً للتمهيد لقيام حراك شيعي مؤثر.
وقد جرت بعض اللقاءات قبل وفاة الرئيس رفيق الحريري، وقبل خروج السوريين من لبنان.
وبعد مراكمة مساهمات عديدة في تنمية حالة الاعتراض، وفي مجال تعزيز التواصل الشيعي- الشيعي، المستقل عن قوى الأمر الوافع، خلصتُ لعدة أمور يفترض توفرها:
أولاً: ان المراهنة على غير الشيعة للتغيير في الساحة الشيعية، هي مراهنة اثبتت فشلها، هذا ولا نقلل من أهمية الدور الذي يفترض القيام به من قبل الطوائف الأخرى الشريكة في الوطن، لكن العمل الأساس ينبغي أن يكون في إطاره الشيعي.
ثانياً: يفترض التحلي بالخطاب الرزين والموضوعي في مقاربة الملفات الخلافية مع الخصم، وأن لا نعين خصمنا علينا،كما يفعل عديدون.
ثالثاً: يسود جو الاعتراض الشيعي حالة تنافس، وكأن الصراع على غنائم موجودة واقعاً!!! والصحيح وأن الخلاف على سراب، ودون جدوى، حيث لا وجود لمكتسبات حالياً، ومع ذلك نرى حالة التنافس الداخلية بشكل فاقع.
رابعاً: ينبغي التحلي بالجرأة المطلوبة في اتخاذ مواقف سياسية، دون تهور، ودون انخراط أو تفريط، حيث أن بعضهم لا يتجرأ على الافصاح عن قناعاته،وتالياً يتم تسهيل إحكام الهيمنة على المجتمع الشيعي.
خامساً: يحسن تشكيل جبهة، تتسم بالمرونة، حتى تحقق أكبر تحالف سياسي ممكن بين المستقيلين، على ان يتم بلورة مشروع سياسي، واضح الخطوط والاهداف، بالثوابت الاساسية للمستقيلن الشيعة، كما يفترض تنظيم العمل، بشكل يتمكن الجميع من التواصل المباشر مع بعضهم، ودون تحميل الأمور أكثر مما تتحمل، حيث يطرح بعضهم تأسيس حزب سياسي، وطبعاً هذا طرح غير عملي، وغير مثمر، اذا كان يراد له أن يكون مستوعباً لكل المعترضين الشيعة.
ويبقى ان التعدد هو أمر جيد في الحالات الطبيعية، فكيف في ظروفنا الحالية، فالعمل على ايجاد التنوع ضمن الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان هو هدف وطني نبيل، لا سيما في الظروف الحساسة التي يمر بها الشيعة محلياً واقليمياً، حيث ان الشيعة في مرحلة من أخطر مراحلهم، رغم أنه تعزز وضعهم السياسي في الساحة اللبنانية، وإلا أنه تواجهم تحديات كبرى من غير المتوقع ان تكون العواقب والتداعيات سليمة.