في لبنان فقط يستقيل رئيس الحكومة بعد انتفاضةٍ شعبية في وجهه ووجه حكومته، ليعود بعد سنةٍ مُتصدّراً المشهد السياسي الفاسد، واعداً اللبنانيين بإنقاذهم ممّا كان قد أوداهم به
 

ربما في لبنان فقط، يستغرب المسؤولون لماذا يصرخ المواطنون الذين يتضوّرون جوعاً، غاضبين في وجه السلطة السياسية الفاسدة، وفي لبنان فقط ربما يُطلق إسم السلطة مجازاً على شلّة من مُحترفي نهب المال العام وهدر الوقت الثمين الذي هو أغلى من المال، وفي لبنان فقط تصرخ مدينة طرابلس( المدينة الساحلية الأكثر فقراً وجدباً في حوض البحر الأبيض المتوسط) من آلام الفقر والبطالة والجوع والحرمان والإذلال، قبل الإقفال الكامل الذي سدّ كلّ أبواب الرزق والفرج أمام أبنائها الصابرين المغلوبين على أمرهم، وفي لبنان فقط يُعرقل المسؤول الأول، الذي أقسم على حماية البلد وصيانة دستوره، تأليف حكومة جديدة، ولا همّ له سوى مصالح صهره الوزير جبران باسيل، المُعاقب من الإدارة الأمريكية، وآخر الأخبار-الفضائح أنّه ربما يُقايض مساعٍ فرنسية-أميركية، ولادة الحكومة الجديدة برفع العقوبات الأمريكية عن صهره، وفي لبنان فقط يستقيل رئيس الحكومة بعد انتفاضةٍ شعبية في وجهه ووجه حكومته، ليعود بعد سنةٍ مُتصدّراً المشهد السياسي الفاسد، واعداً اللبنانيين بإنقاذهم ممّا كان قد أوداهم به، وفي لبنان فقط يتلهّى وزير الصحة الحالي على مدى أكثر من ثمانية أشهر بالإستعراضات الإعلامية ونثر الترهات والأضاليل، تاركاً وباء الكورونا يتمدّد في الشوارع والساحات، مُتوهّماً أنّه بارعٌ في مواجهة هكذا وباء، وهو كما اتّضح اليوم للقاصي والداني أنّه لم يبرع سوى بهدر أموال البنك الدولي( وهي قروضٌ ستُسدّد على كلّ حال) وهدر الوقت الثمين وإغراق البلد في أخطر أزمة صحّية شهدها لبنان في تاريخه الحديث والمعاصر، في لبنان فقط يجتمع مجلس الدفاع الأعلى، المُكوّن من حفنة وزراء عاجزين تافهين، تحيط بهم ثُلّة من القادة العسكريين والأمنيّين، لا يتقنون سوى الرضوخ لما يُملى عليهم، ليُقرّروا إقفال البلد إقفالاً تامّاً ولمدة طويلة، دون إعطاء أية تقديمات اجتماعية إغاثيّة للمحتجزين قسراً في بيوتهم، وفي لبنان فقط يُكلّف مدير الأمن العام من قِبل الثنائية الشيعية( الراضية عنه وعن أدائه) حلّ الأزمة الحكومية المستعصية، فيزور رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، والوزير جبران باسيل حصراً، هذا الصهر المفترض ملاحقته بتُهم الفساد وهدر المال العام التي أنزلتها به الإدارة الأمريكية، فبئس هكذا حكومة لا تولد إلاّ برضى باسيل، وأخيراً في لبنان فقط يختصر الصديق جان دبغي المأساة اللبنانية بوجود سبعماية مجموعة ثورية وخمس "خروات" كامشين البلد، هذا مع وجود حفنة من "الثوريّين" الذين مرّوا على ماركس ولينين وفولتير وفيبر وميشال فوكو، وليفي ستراوس مرور الكرام، لذا ولكلّ ذلك وأشياء أخرى لا يمكن حصرها، يستخفُّ المسؤولون السياسيون مع المسؤولين الأمنيّين بالأصوات الصادحة في طرابلس طلباً للُقمة العيش، ورفع الحصار والظلم والقهر على مدى ثلاثة أيام متواصلة، حتى وصل الأمر عندهم بالأمس إلى هدر دمائهم بعد هدر الكرامات وهدم الأوطان.

 

إقرأ أيضا : أهالي طرابلس الجائعين وسفيان بن عُييْنة وأحاديث رسول الله (ص).

 


هل نحمد الله أنّه لم يعُد احدٌ يتذكّر ذاك القول الذي شاع ذات يوم: هنيئاً لمن له مرقد عنزة في لبنان.