إتضح للجميع مدى تمسّك الثنائي الشيعي بالرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة منسجمة مع متطلبات المرحلة وتلبي شروطاً معقولة للداخل و الخارج معاً كيّ تُزاح أزمة عجز عنها حكّام لبنان رغم طروحاتهم في إقصاء أميركا و أوروبا و النزوح نحو روسيا و الصين لتأمين إحتياجات الشعب اللبناني و تكريس علاقة بديلة عن الغرب و العرب .
 
هذا التعاطي السياسي في طرح غير مدروس و مرتجل كما هي طبيعة القرارات التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه يدل بشكل واضح لا على عجز الطبقة السياسية بل على صغر الرؤية في المسؤولية بحيث يتخبط المسؤولون في مواقف متناقضة و أكثرها مصابة بفيروسات قاتلة لا علاج لها لذا و بعد أن إبتعد البعض عن واقع الوضع في لبنان عاد منكسراً و مستسلماً لخيارات لا يمكن تجاوزها إعتماداً منه على القوّة التي يحملها معه أين ما كان و ضدّ من لا يشاركه رأياً فبات الشيخ سعد الحريري ربيب المملكة العربية السعودية و ربيب الغرب مستودع أسرار أعدائه و خصومه و أولية  شرعية بالنسبة للكتلة الملتحية و وطنية بالنبسة للكتلة الحالقة و هذا ما يفضح بإستمرار الإسلام السياسي أو الإسلام الجهادي و المطعم بسياسة متلونة لا تنسجم مع أدبيات الدين المبتنى على حق و باطل .
 
بغض النظرعن فحوى المخالفة الفاضحة لرافضي الحريري في الأصل و المؤيدين له في الفرع لرئاسة حكومات متتالية أثبتت فشلاً ذريعاً وضع لبنان في مطب عاصف به و أجواء كشفت عوراته و هذا ما استدعى ولادة ثورة ضدّ معايير الحكم و السلطات القائمة و البحث عن خيارات خارجة عن سيطرة المحاصصات السياسية و التي أثبتت في كل مرّة عقم نتائجها و مع ذلك يصرّ حراس النظام الطائفي و المحاصصة السياسية على الإعمال بمقتضى المصالح الزائفة أو تلك التي تلبي شروطهم السياسية و حاجاتهم منها دون إهتمام أو رعاية تُذكر لمصالح المواطن بل في تكريس سلعة الوطن في السوق السياسي و تهشيم صورة الدولة لصالح الدويلة الطائفية .
 
هذا المنطق لم يتغير بالنسبة لرواد الحكم في لبنان و هم على عناد مع الحاضر و في تحد مستمر مع المستقبل لذا كان تعطيل مفاعيل الثورة إحدى غاياتهم لنزع فتيل التغيير عن الإنفجار الشعبي في لحظة مدمرة أصلاً و كل ما سيحدثه الإنفجار المذكور هو الإطاحة ببنى السلطة و هذا ما لا تريده هذه القوى المتحكمة بشريان الإدارة السياسية و هذا ما تحرص عليه أحزاب لا تجد في الثورة الحاصلة سوى أدوات مشبوهة لتخريب ما هو قائم رغم أن ما هو قائم و بحسب ملفاتهم  النائمة في أدراج ذهب مع الريح ما هو إلاّ فساد مستشري في جسم السلطة .
 
بدون وعي يرتكز خطاب السلطة الفعلي على صلب لبنان على خشب الشعب و بدون أي مراعاة لمتطلبات باتت أكثر من مشروعة و ضرورة يجب التعاطي معها كيّ يتم تجاوز أزمة أكبر من لبنان و أكبر من المسؤولين و من أحزاب تريد تحرير العالم و لا تستطيع وضع حل لكيس زبالة تفوح منه روائح السياسيين من تحت بيوتهم و مراكزهم و شوارعهم و أحيائهم و مناطقهم و تريد تكنيس الغرب و العرب من علاقات الدولة لصالح دول أخرى وهي غير قادرة على علاج مشكلة واحدة من مشاكل لبنان المتراكمة وما الأمطار إلاّ عيّنة بسيطة من عيّنات تقاعص السلطة و عدم قدرتها على فتح طريق فكيف ستفتح ما يساعد لبنان على حلّ مشاكله ؟
 
لقد قدّم الرئيس بري لبن العصفور للرئيس سعد حريري كيّ يقبل بترأس حكومة أزمة وشرب سعد حليب عصفور بري و من ثم هتف أمين عام حزب الله للحريري دون تسميته فزيارات الخليلين اليومية لبيت الوسط تكشف عن تعلّق الثنائي بالرئيس الحريري رغم الوصوف اللامتناهية و النعوت المكتوبة على جدران الخطب اليومية و التي توبخ وتخوّن المحبوب ولا تسجل له أيّ إيجابية حكومية على الإطلاق .
 
يعيد الثنائي الشيعي تركيب الحكومة وفق هندسة قديمة من شأنها أن تعيد إنتاج الأزمة نفسها و ما تلقيح الحكومة بأنابيب الشعب إلا محاولة مكشوفة لتشوية ولادة الثورة من خلال طفل إنبوب مزوّد بمني السلطة يجعل من طفل الشعب المولود داخل الحكومة و بإسم التكنوقراط أسوأ بكثير من مُسني دار الحكومة اللبنانية .