بعد 57 يوماً على انلاع الانتفاضة و40 يوماً على استقالة الحكومة. ما الذي سيتغير بين اليوم ويوم الاثنين القادم؟ ومع مطلب الانتفاضة بتشكيل حكومة تكنوقراط، وإجراء انتخابات مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، ورحيل بقية مكونات سلطة المحاصصة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة. لا شك في أن البلد اليوم أمام مأزق حقيقي لجهة مشكلة تكوين السلطة السياسية، فالمسار الذي تسلكه القوى الموجودة على الساحة لا ينبئ بما هو ايجابي.
 
لا يكفي الحديث عن أن الطريق الاقتصادية باتت تقود إلى المجهول، ولا يكفي الحديث عن أن الطريق السياسية تقود إلى مزيد من التعقيد، لقد حاول التحالف بين عون والثنائية الشيعية، بعد إصرار الحريري على تشكيل حكومة اختصاصيين تلبية لطلب الانتفاضة، إقناعه بما يشبه الانتحار سياسياً، بعد رفض الحريري الإغراءات والضغوط التي مورست عليه، للقبول بحكومة تكنو  سياسية برئاسته ، بدا واضحاً أن تحالف عون والثنائية الشيعية  يصر عليه ؛ لأنه يشكل في نظرهم: أولاً رافعة مفيدة على المستوى الاقتصادي، من خلال العمل لإحياء مساعدات مؤتمر سيدر، وثانياً غطاء على المستوى السني المحلي والإقليمي، وخصوصاً في هذا الوقت الصعب؛ وثالثاً لأن قبوله تشكيل حكومة تكنو  سياسية يساعد الحزب في تخطي مرحلة الانتفاضة، وما أفرزته من رفض متزايد للثنائية الشيعية في عقر دارها، من صور إلى النبطية إلى بعلبك، وخصوصاً أن هذا يأتي بالتوازي مع الاضطرابات الدامية في إيران، وكذلك في العراق؛ حيث أحرق المتظاهرون القنصلية الإيرانية في النجف ثلاث مرات. الانتفاضة تأججت بعد مماطلة السلطة، رافعة دائماً شعار إسقاط كل الطقم السياسي الفاسد؛ لكن هناك الآن في أجواء السلطة والثنائية الشيعية من يطرح شعاراً معاكساً على خلفية من التحدي، وهو: كلنا يعني كلنا داخل الحكومة، وهو ما يتصل بما كان قد أعلنه النائب محمد رعد من أنه ليس من مخرج سوى حكومة وحدة وطنية، أي استنساخ للحكومة الحالية، أو البقاء في حكومة تصريف الأعمال مدة طويلة، بما يعني إسقاط كل مطالب الانتفاضة. وهكذا يبدو السؤال محيراً فعلاً:
 
من رحم أي أزمة ستولد الحكومة إن قُدِّر لها أن تولد؟ من الخلافات العاصفة بين الصف السني عموماً وبين تحالف عون والثنائية الشيعية؟ أم من محاولات كسر رأس الثورة وتشكيل حكومة تكنو  سياسية، مسلسل المواعيد للاستشارات، بدا واضحاً أنه يضع رهاناً أخيراً على عامل الوقت ولكن ماذا نفعل بالانتفاضة؟ وماذا نقول للمنتفضين؟ وكيف نواجه وحش الإفلاس الذي يطبق على البلد، الذي ينتحر المواطن فيه لعجزه عن شراء منقوشة، ويتدافع الناس في المصارف لسحب 300 دولار من جني أعمارهم، هذا كلّه يتزامن مع غياب المرجعية التي تفرض الحلول، وعدم قدرة على إحداث ثقب كبير داخل الجدار، ما يصعب معه الجزم بما يمكن أن يتحقق من الآن الى الاثنين، ويطرح السؤال الذي لطالما اشتهر به زعيم المختارة، إلى أين؟ سيعقد المؤتمر في الحادي عشر من الشهر الجاري في باريس لكن حسب ما تؤكد مصادر متابعة لا يمكن التعويل على نتائج سريعة لهذا المؤتمر وتؤكد المعلومات أن الدول المانحة سيكون لديها شروط سياسية، وليس فقط تقنية واقتصادية .
 
من الواضح أن الرئيس سعد الحريري يحاول قضم المكتسبات من فريق الأكثرية النيابية بطريقة هادئة وبطيئة، مستغلاً الكثير من المعطيات ومنها حركة الشارع، والضغط الإقتصادي الحاصل، وغيرها من أوراق القوة التي إحترق بعضها وبقي البعض الآخر فاعلاً. ففي ظل مرحلة شد الحبال الحكومي التي يشهدها لبنان بين القوى السياسية، التي رسمت التسوية الرئاسية التي استمرت 3 سنوات، قبل أن تدخل بحالة الموت السريري، يتمحور الصراع اليوم على نوع الحكومة. بحيث أن التوافق على اسم الرئيس سعد الحريري متوفر، ولكن ما يعرقل تكليفه حتى اللحظة، هو تمسكه بتشكيل حكومة تكنوقراط، في حين أن الطرف الآخر، وتحديدًا حزب الله، يرفض هذا النوع، ويفضل حكومة تكنو  سياسية. وكل الاطراف باتت محشورة بخطورة الوضع المالي والاقتصادي، وبضغط الشارع. 
 
في ظل المخاطر التي دخلتها البلاد، وتلك المرتقبة، بَقي في ذهن البعض انّ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري هو المؤهّل الوحيد لقيادة المرحلة. وعليه، للاسف في كل ما جرى الى اليوم ما يعبّر عن فهم هذه السلطة السياسية المتحكمة بالبلد حجم المأزق. وبدل ملاقاته في منتصف الطريق، هم عاجزون عن ملاقاة المجتمع الدولي بما يضمن بقاء الحماية التي تغنّوا بها لسنوات. الثنائي الشيعي يريد الحريري حتماً في رئاسة الحكومة، والتيار الوطني الحر أيضاً. وحتى القوى الداعية إلى حكومة تكنوقراط، وتُرَشِّح نواف سلام مثلاً أو سواه، لا تعترض على الحريري إذا عاد ضمن تسوية مرحلية تدير المرحلة لأشهر عدّة، شرط أن تنسجم التركيبة الحكومية وبرنامجها مع مطالب الانتفاضة. وفي هذه النقطة تحديداً تكمن مشكلة الثنائي والتيار مع الحريري هو يتمسّك بحكومة التكنوقراط تجاوباً مع مطالب الانتفاضة و القوى الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة، لأنها تقلّص نفوذ إيران في السلطة في لبنان. في المقابل، يرفضها حزب الله ويصرّ على التركيبة التكنو-سياسية لأنها تضمن استمرار نفوذه، كما هو حالياً.