لم نعد بحاجة الى واعظين دينيين من حيتان الأموال و يتكلمون عن زُهد علي عليه السلام فماعادوا يستثيرون أسماعنا مهما تفننوا بفنون الأصوات لقد انكشفت عوراتهم وما عادة ورقة التوت بقادرة على ستر أسرارهم ولا على غيرهم ممن باعوا دماء الناس ليشتروا نعماً لهم و لشبكاتهم الضيقة من العائلات المالكة الى أصغر رضيع يرضع من إصبع ملك أو رئيس أو قائد شعبي و آخر ثوري من أصحاب النعمة الجديدة .
 
تسمع كلامهم تظن أنهم اتعظوا من غضب المظلوم وقرروا إصلاح ذات البين و المضي قدماً صوب النزاهة و الكفاءة و عناوين أخرى تكاد أن لا تخلو خطبة من خطبهم اليومية منها بحيث تشعر بأنهم ملائكة يمشون على الأرض هوناً لتصحو مع كل سكرة حديث ديني أو وعظ سياسي أو رتابة ثورية بأن القائلين لا يفقهون معنى ما يقولون اذ لم يبادروا يوماً لإصلاح أنفسهم عملاً بالحديث القائل : من نصّب نفسه إماماً للناس فليبدأ بتعليم نفسه ، بل إنهم وفي سيرتهم الحزبية و الشخصية لا يقيمون وزناً لكل معاني وصفات المسؤولية سواء الحزبية منها أو الرسمية اذ أنهم يكرسون معادلة وظيفة نيابية ووزارية لكل فاشل حزبي على حساب التمثيل الوطني أو الطائفي وهذا ما يجعل من الكتل البرلمانية كتلاً فاقدة لوظيفتها القانونية اذ انهم لا يفقهون القوانيين فهم ليسوا من المشرعة بل هم جماعة من الشتامين فأحدهم لا يحمل قلماً بل يحمل حذاءه وآخر لسانه وعضلات الشارع وأمثالهما بضاعة رائجة في مجلس وهنوه وجعلوه ملعباً لصبية 8و14آذار.
 
هذا الإستخفاف بالشعب لا من قبل التقليد السياسي و النخب الرجعية بل من قبل أدعياء الشفافية و نظام المحاسبة و الكفاءة و النزاهة وجهابذة أهل الإختصاص اذ أن الرجل المناسب في المكان المناسب هو فريضة على المؤمن لا يمكن التغافل عنها أو التعامل مع غيرها .
 
أمسى صرح أحدهم بجدية محاربة الفساد في الحكومة المقبلة وهو سيكافح الفاسدين بمجموعة صبية من صبيانه ممن لا تنطبق عليهم أي أهلية تُذكر لا في النيابة ولا في الوزارة لأنه معتاد على وضع العربة قبل الأحصنة و غيره من الأحزاب يسوق عربة الوطن بالحميروهذا هو ما مكرس في التجربة العربية منذ قيام الدولة الوطنية حتى لا نظلم التاريخ القديم الذي بدا في مدى قبحه أجمل بكثير من بشاعة تاريخنا الحديث .
 
إن عقلية الملك والأمير والرئيس و القائد و المسؤول هي عقلية قائمة على أنا ربكم الأعلى وهو لا يحتاج الى أنبياء بل الى عبيد لذا تزدهر تجارة العبيد في أسواقنا الحزبية و السياسية فيقربُ إله الحزب أو الطائفة أو المذهب من يسبح له و يسجد لحذائه لينتقل من عالم اللاهوت الى عالم الناسوت وهؤلاء العبيد لم يعودوا عشرة صغاراً بل ذراري كثيرة تعتاش على لحس أحذية أربابهم .
 
كيف يمكن الوثوق بهكذا عقل؟ عقل يرى الصح في الخراب ويرى الملائكة من جنس الشياطين لذا يعتمد على منشدين ومغنيين وراقصين ومصفقين ومهللين ومكبرين وهذا ما يشعره بأنه فوق البشر لذا يتيه أحدهم في قصرعرشه غارقاً في وثير نعمه من المحيط الى الخليج كلهم زبانية شهوة شهوة سلطة لا أهل إصلاح و سداد و إرشاد .
 
لم نعد بحاجة الى واعظين دينيين من حيتان الأموال و يتكلمون عن زُهد علي عليه السلام فماعادوا يستثيرون أسماعنا مهما تفننوا بفنون الأصوات لقد انكشفت عوراتهم وما عادة ورقة التوت بقادرة على ستر أسرارهم ولا على غيرهم ممن باعوا دماء الناس ليشتروا نعماً لهم و لشبكاتهم الضيقة من العائلات المالكة الى أصغر رضيع يرضع من إصبع ملك أو رئيس أو قائد شعبي و آخر ثوري من أصحاب النعمة الجديدة .