إن المعادلة التي أرساها الحزب ويعمل على حمايتها بأشفار العيون هي تلك التي نطق بها النائب جميل السيد : (نسكت عن فسادكم مقابل أن تسكتوا عن سلاحنا) !
 
لم تشكل مواقف حزب الله من خلال الكلمتين اللتين توجه بهما الامين العام السيد حسن نصرالله وتناول فيهما الحديث عن التظاهرات الشعبية التي عمّت كل المناطق اللبنانية، أي مفاجأة عند المراقبين والعارفين بخبايا الامور، وإنما الصدمة الفعلية والزلزال الكبير بدا واضحا جليا عند معظم قواعد الحزب وبالخصوص منهم الشريحة  الفقيرة والمستضعفة والموجوعة، التي تئن كغيرها من اللبنانيين من عوزها وهي تقف مدهوشة تسمع كل يوم عن ملايين الدولارات التي تنهبها السلطة الفاسدة من دون ان يحرك الحزب ساكنا.
 
هذه الشريحة الفقيرة من البيئة الحاضنة، كانت هي (مع مثيلتها من قواعد حركة امل) ، النسبة الاكبر من المشاركين في الايام الاربعة الاولى وبكل المناطق إن في الجنوب أو في بعلبك الهرمل ووصولا إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح، 
بل استطيع أن أجزم من موقع الشاهد والسامع انهم كانوا أكثر المتحمسين صراخا وحضورا وتعبيرا عن أوجاعهم وأوجاع أهلهم  أمام الكاميرات وفي الساحات، لم يخالجهم أي شعور ولو للحظة بأنهم في الموقع الخطأ، بل على العكس تماما، اعتبروا أن هذا "الحراك" وما يمثله من صرخة حق أمام سلطان جائر فاجر سارق هو الموقع الطبيعي لهم، وأن اللحظة هي لحظة الحقيقة، لحظة حماية لقمة عيشهم ومستقبل أولادهم، لحظة محاربة الفساد والفاسدين التي وعدهم بها السيد قبيل الانتخابات الاخيرة والتي أعطوه لأجلها أصواتهم،
شعروا وبدون تردد أنهم يلبون نداء سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي (الذي قدم نفسه وابنه وزوجته) حين قال: "كما قاومنا الاحتلال سنقاوم الفساد"  
 فهم الذين طالما كانوا قد سمعوا من قيادتهم بأن محاربة الفساد في لبنان له تعقيداته الطائفية والمذهبية والحزبية أما إذا ما نزلت الناس للمطالبة بحقوقها فإن الحزب سوف يكون معهم وإلى جانبهم وأمامهم !! 
لم يكن يعرف هؤلاء المساكين، أن لدى قيادة الحزب حسابات غير حساباتهم، واعتبارات غير اعتباراتهم، لأن المهم عند القيادة هو المحافظة على وجودها ودورها المطلوب منها من خلف الحدود وأن المعادلة التي أرساها الحزب ويعمل على حمايتها "بأشفار العيون" هي تلك التي نطق بها النائب جميل السيد : (نسكت عن فسادكم مقابل أن تسكتوا عن سلاحنا) ! 
لتتحول بعد ذلك هذه المعادلة إلى قاعدة ثابتة يعمل على تكريسها الحزب في أدائه السياسي عبر تحالفاته وتفاهماته وحتى لوائحه الانتخابية، مما يعني بأن حزب الله الآن يضع جمهوره بين خيارين محاربة الفساد والفاسدين أو بقاء نفوذ الحزب !!! هذا التحول الكبير في مسار حزب الله، خلق سؤالا واستفسارا ضخما لم يكن له وجود قبل الحراك العام، ويجتاح جمهور الحزب هذه الايام : ما قيمة وجودنا أصلا إذا كان منوطا ببقاء الفاسدين ؟