المرحلة الحالية ستكون مرحلة انتظار للتسوية، أو للتصعيد الذي سيفتح الباب أمام إيجاد اتفاق معيّن. والمؤشرات لا توحي بأن الهدوء سيكون سيّد الموقف.
 
المَشهد السياسي في البلد هذه الأيام، والذي يَتَقاسَمُهُ همٌّ داخلي يختصره عنوانُ الهم المالي الاقتصادي وامكانية الانقاذ من خلال قارب الانقاذ الذي يشكّله مؤتمر سيدر، وهمٌّ خارجي لم يغِب يوماً عن شيفرة المواجهات متعدّدة الاوجه التي تحكم الواقعَ اللبناني وترتبطُ في خلفياتها بـ حال التوتر في المنطقة، وأحدُ أشدِّ فصوله وطأةً على لبنان الصراع بين الولايات المتحدة وإيران وأذرعها ودرة تاجها حزب الله.
من خلْف ظهِر ما يشبه إعادة التموْضع التي كان يُجْريها لبنان لموقفه الرسمي تحت سقف القرار الدولي 1701 هذا القرار الناظم للجبهة الجنوبية مع اسرائيل، في موازاة سعيه لإكمال الاستعدادات لإطلاق مسيرة الإنقاذ المالي الاقتصادي، باغتَه الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصرالله أمس، بتظهيره وبلا أي لُبْسٍ تَحَكُّمه بمفاصل الإمرة الاستراتيجية والخيارات الحربية الدفاعية والهجومية بوجه اسرائيل كما أي حربٍ مفترَضة على إيران.
 
ورأت أوساطٌ سياسيةٌ مطلعةٌ أنه بعدما كانت بيروت مشدودةً إلى كيفية الحدّ من أضرار الصورة التي ظهرت عليها الدولة كـ الغائب رقم واحد عن الوقائع المتدحْرجة التي تَوالتْ منذ 25 اب الماضي وعكستْ إسقاطاً متدرّجاً للبنان إلى ملعب الصراع الكبير بين الولايات المتحدة ومعها اسرائيل وبين إيران وأذرعها في المنطقة، جاءت إطلالةُ نصرالله، في ختام مسيرة العاشر من محرّم التي نظمها حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبخطاب واحد ليوجّه إشارة بلا شيفرة إلى أنه وَضَعَ في جيْبه الالتصاق الرسمي به والذي ذابت فيه الحدود بين الدولة والحزب ليأخذ لبنان إلى هذا المحور، او المخيم كما سماه السيد حسن، هذا المعسكر الذي يقف على رأسه سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي ونحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيّدنا هو سماحة الإمام علي الخامنئي.
 
 
واعتبرت بعض الأوساط أن مواقف نصرالله اكتسبت خطورة كبيرة في 3 مفاصل:
 الأول أنه وبعد الإشادة بوحدة الموقف الرسمي ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة ودورهما في تحقيق حزب الله الردْع بوجه محاولة اسرائيل تغيير قواعد الاشتباك القائمة منذ 2006، وَضَع لبنان في فوهة أي حربٍ مفترضة قد تُشن على إيران وسينخرط فيها الحزب تحت قيادة الخامنئي، وذلك بإعلانه أي مشروع حرب على إيران ستشعل المنطقة وتدمّر دولاً وشعوباً وستكون حرباً على كل محور المقاومة، مؤكداً لن نكون على الحياد. 
وأضاف هذا مخيمنا وهذا إمامنا وهذا قائدنا وهذا حسيننا. في هذه المعركة لا مكان للحياد.
وكرر نصرالله تشبيه خامنئي بالحسين.
 
 الثاني أنه كَرَّسَ التَمَاهي بين حزب الله والدولة اللبنانية وبدا كأنه ناطقاً باسمها، معلناً إذا اعتدي على لبنان بأي شكل، هذا العدوان سيُرد عليه بالرد المناسب المتناسب، ومن أجل الدفاع عن لبنان وشعبه وسيادته، لا خطوط حمر على الإطلاق هذا انتهى، رغم إشارته إلى أن كلامه الأخير عن سقوط الخطوط الحمر لا يعني على الإطلاق التخلي عن القرار 1701، فلبنان يحترم الـ1701 وحزب الله جزء من الحكومة التي تحترم هذا القرار، معتبراً ان رد المقاومة داخل أرض فلسطين مستعمرة أفيفيم من أرض لبنان وردّها الآخر عند إسقاط أول طائرة مسيرة إسرائيلية في خراج بلدة رامية هو تثبيت للمعادلات وتعزيز لقوة الردع التي تحمي بلدنا.
 
 والثالث عَكَس منحى جديداً سيعتمده حزب الله غداة خطاب الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي أكّد فيه ضرورة درس الخيارات الممكنة، للردّ على العقوبات الاميركية المتصاعدة، أفادت المعلومات انّ الحزب اتخذ قراراً بأن يتعامل بأقصى درجات الجدّية والحزم مع التهديد المتأتي من العقوبات، لكنه لم يحسم بعد أنماط الرد واشكاله. وأضاف منتقداً ضمناً مصرف لبنان على الدولة أيضاً والحكومة أن تدافع عن اللبنانيين.
 
فبعد خطاب سماحته في العاشر من محرم اعاد ادخال لبنان الى عين عاصفة لعبة الامم وعلى هذا يحتمل ان تكون الخلاصة ان الساحتان الداخلية والدولية تحفلان بتطورات دراماتيكية بالغة الخطورة، يجمع المراقبون والمحللون على ان تكون لها ارتدادات غير محمودة العواقب على الوضع العام في البلاد الذي ينوء اساساً تحت أعباء اجتماعية واقتصادية جد خطيرة . ولا يمكن فصل ملف ترسيم الحدود الجنوبية للبنان عن المندرجات السياسية لهذه الصفقة. ولا يمكن فصله عن العلاقة الإيرانية تصعيداً أم تفاوضاً. وبين هذه النقاط المعقّدة جال المبعوث الأميركي ديفيد شنكر على المسؤولين اللبنانيين للبحث في إعادة إطلاق المفاوضات لترسيم الحدود. وما يؤكد ارتباط هذا الملف بالملفات الأخرى هو ما أبلغه شنكر إلى المسؤولين الذين التقاهم بأنه بعد أسابيع سيتم البحث الجدي بهذه العملية. 
 
وما قصده شنكر ب بعد أسابيع هو فترة ما بعد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل الحكومة. ولكن أيضاً فإن الملف لا يرتبط بالانتخابات الاسرائيلية، بل بالعلاقة الأميركية  الإيرانية، لا سيّما بعد موقف الأمين العام لحزب الله الذي جدّد مبدأ توحيد الجبهات. ما يعني عدم فصل الملفات عن بعضها البعض. وبلا شك فإن أي اتفاقٍ من هذا النوع سيكون، لبنانياً، مرتبطاً بملفات متعددة، أولها القرار 1701 والذي أكّدت مختلف القيادات التزامها به. وثانيها المساعدات الدولية التي يحتاجها لبنان. لكن القرار الدولي واضحٌ بأن ذلك غير ممكن قبل تنفيذ لبنان لبعض الشروط. هذه الشروط ليس تقنية أو إصلاحية فقط، بل سياسية. 
 
ما يعني أن المرحلة الحالية ستكون مرحلة انتظار للتسوية، أو للتصعيد الذي سيفتح الباب أمام إيجاد اتفاق معيّن. والمؤشرات لا توحي بأن الهدوء سيكون سيّد الموقف بل العكس. لذلك، الأيام والأسابيع المقبلة ستكون مفصلية.