هبّوا من أجل تحرير الوطن من دنس الفساد والمُفسدين، هبّوا من أجل التحرير الثاني.
 
ثمانية عشر عاماً، مرّت علينا بأيّامها ولياليها، بحلوها ومرّها، بإيجابيّاتها وسلبيّاتها، كانت لِتكون حافزاً لمن يستلهم من العرب المحتلّة أرضهم، طريقاً لإخراج المحتلّ الجاثم على مرتفعات جولانٍ لم يَعمل على المُطالبة بها، فضلاً عن تحريرها.
 
تجربة التحرير عام ٢٠٠٠، تجربة مقاومة انطلقت من واقع الحرمان والاحتلال وراكمت جهوداً وتضحيات لِشباب دفعوا زهرة شبابهم وتركوا كلّ آمال الدنيا وأحلامهم الشخصيّة ليحلموا لنا بحياةٍ حرّةٍ تعقبهم في أهلهم كرامةً، سعادةً وأمناً وآماناً فتنقلب الحسرة عليهم إصراراً على حياةٍ كريمةٍ ...
 
لكنّ الحسرةَ والغصَّةَ في دموع الآباء والأمّهات لم تنصب لأنّهم فُجعوا بصور أولئِك المنتفعين والمتكرّشين من مناصب لم يكن ليحلموا بها لولا تضحيات أبناء هؤلاء الذين غادر البعض منهم إلى جوار ربّه وتنتظر الأمّهات الإلتحاق بالدار الاخرةِ حيث عدالةُ السماء تمنع المتاجرين ولا تجزي إلّا من عمل بصدق وضحّى بخلاف بهارج الدنيا التي تُزوّر الحقيقة والتاريخ وتُضَيّع التعب والتضحيات.
 
 
أعوام مُتتالية، كنتُ أدخل فيها على والد شهيد إرتقى ولده شاهداً وشهيداً في ساحةِ البطولةِ على أرض وطنهِ المحتلّةِ أرضه، من قبل دولةٍ معتديةٍ عنصريّةٍ، وكنتُ أتلمّس الحسرةَ التي تكادُ تصلُ إلى حدّ الخيبةِ من رفاقٍ لم يكونوا يحملون بجدارة أمانةَ دماءِ الشهداء، فلقد أعمتهم القدرةُ وأغراهم المال الوفير الذي فتح الله به عليهم ببركة التضحيات ودماء الشهداء، فعمّروا الدور والقصور وملأوا المجالس والشاشات وهم غير مُدركين مرارةَ الفقد، فهم لم يفقدوا عزيزًا  ولم يقدّموا التضحيات إلّا بالكلام والمزايدة، تلك هي الدنيا شهداء في القبور وتجارٌ في القصور وزعماءٌ يزهون ويلعبون بمصير ومستقبل البلاد.
 
أمّا على مستوى الإجتماع العامّ، فقد فشل أدعياء النصر والتحرير في بناءِ المجتمع والدولة والإنسان، وتمسّكوا بامتيازات أعطتهم  إيّاها بندقيّة المقاومة في الحقّ، فاستعملوها في الباطل وحرّفوها عن مسارها الذي كاد ليكون محلّ إجماعٍ من اللّبنانيّين عليه، فلم تسر قافلة التحرير أعواماً قليلةً حتى بدأ ممتشقيها من إستعمالها في الداخل اللّبنانيّ وتوجّهت بحججٍ وتبريرات إلى صدور اقرانٍ لنا في الوطن والمواطنة  بدعوى المؤامرة  وهي حجةِ كلِّ مستبدٍ ومتمسّكٍ بكرسيٍ فارغٍ. 
 
ولو أنّ إستدارةَ السلاحِ إلى الداخلِ كانت لإقامةِ حقٍّ ومقارعةِ فسادٍ سلطويٍ في الدّولةِ ومنع سرقٍ وهدرٍ للمال العامّ،  لكنّا التمسنا عذراً لهم ولو أنّني لا أبرّء ولا أدعو إلى العنف في الداخل حتى ولو كان الهدف منه نبيلاً فالتفير يجبُ أن يكون سامياً بسلميّته.  وزاد الفساد في البلاد وتحطمّت صورة الدولةِ الراعيةِ للإنسان وتضخّم الدين الذي ما كان ليمرّ لولا سكوت من كان في المجلس النيابي منذ التسعنيّات من القرن الماضي حتى وصلنا اليوم إلى تعثّر في الإقتصاد وتصفير في معدلات النموّ  وهجرةٍ للإنسان ومذلةٍ لمن بقي في هذه البلاد فأيُ ربحٍ جنيناهُ من تضحياتٍ لل نمنُ بها على أحد ونحتسبها عند الله وأشراف خلقه وعند شعبنا المنصف والحرّ والنبيل. 
 
أيّها اللّبنانيّون بكلّ مشاربكم وإنتماءاتكم وطوائفكم، هبّوا من أجل تحرير الوطن من دنس الفساد والمُفسدين، هبّوا من أجل التحرير الثاني.