أقل ما يقال إنه خطاب عن حال دونالد ترامب، الذي نجح في بناء جدار عازل مع الحزب الديموقراطي لا مع المكسيك، هكذا وقف ترامب ليلقي خطابه عن “حال الإتحاد”، بعد تأخير استمر اسبوعين، لأن نانسي بيلوسي وخصومه الديموقراطيين، أقفلوا الكونغرس في وجهه رداً على قراره المثير الإغلاق الحكومي، الذي يمكن في ظل الخلاف الداخلي المتفاقم ان يعود اليه من جديد، أو حتى ان يذهب الى إعلان حال طوارئ وطنية تتيح له تجاوز الكونغرس، وإعطاء نفسه سلطة الحصول على تمويل عسكري لمشروعه بناء الجدار على حدود المكسيك! وإذا كان بناء الجدار يحتاج الى خمسة مليارات دولار، فإن فترة الإغلاق الحكومي التي فرضها ترامب كلفت البلاد أكثر من سبعة مليارات دولار، وعلى رغم هذا لم يتردد في ان يضع إصبعه في عيون الديموقراطيين، الذين كانوا يستمعون اليه بغضب ويقول متحدياً: “سأبنيه”، وهذا كلام يعرف جيداً أنه يقوي شعبيته التي صفقت له وهو يردد “بكل بساطة الجدران تنفع، الجدران تنقذ أرواحاً”، وذلك لإشاعة الخوف من الهجرة غير القانونية. لكن “حال الإتحاد”، ليست جداراً على حدود المكسيك، في حين لا يتمكن ترامب من ان يتذكر كل هؤلاء المسؤولين الذي فروا من سفينته الهائمة أو تم إلقاؤهم منها، وأقول السفينة الأميركية الهائمة لأن من غير المعقول ان تحكم أقوى دولة في العالم بهذه الطريقة الشخصية والإستنسابية، وعبر التغريد على “تويتر”، وهي السياسة التي يتبعها ترامب بعدما وضع كل المعارضة ووسائل الإعلام وراء ظهره!

كان واضحاً أنه تعمّد الدعوة الى التفاهم والوحدة بعد عامين من الإنقسام، الذي وصل الى حد ان عدداً من زعماء حزبه الجمهوري يقف ضده: “يمكننا التغلّب على الإنقسامات القديمة، وشفاء الجروح القديمة، وبناء تحالفات جديدة، وتطوير حلول جديدة، وإطلاق عنان الوعد الإستثنائي لمستقبل أميركا”، ولكن كيف وعلى أي أساس ووفق اي دور عالمي عندما يبدو ترامب وكأنه يسابق سلفه باراك اوباما في محاولة التسلل من الواجهة الى عمق المسرح الدولي؟

كان من المثير وربما المضحك دائماً هذا الربط الذي يصرّ عليه ترامب، وهو ان قوة أميركا الإقتصادية تتحصن أكثر كلما إقتربت من “نظرية مونرو” الإنغلاقية القائمة على مبدأ الإكتفاء الذاتي الشامل، أي الإنسحاب من دورها العالمي على رغم ان هذا الدور هو اصلاً الذي صنع ويصنع قوتها الإقتصادية، ولهذا مثلاً كان من الصادم ان يقرأ المرء كلام ترامب عن الإنسحاب من سوريا، بعدما قال انه تم القضاء على “داعش” نهائياً وهذا ليس صحيحاً، والى جانبه إعلان الجنرال جوزف فوتيل المشرف على العمليات العسكرية في الشرق الاوسط، الذي يقول ان ترامب لم يستشره قبل إتخاذ قرار الإنسحاب من سوريا.

فوتيل يقول لم استشر، وان تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يهزم بعد وهناك اكثر من 1500 مقاتل منهم في وادي الفرات. ولكن يبدو ان ترامب الذي سبق له ان هدد بتدمير تركيا إقتصادياً يعتمد ويا للسخرية، على رجب طيب اردوغان للقضاء على فلول “داعش” في حين تهدد أنقرة بإجتياح منبج حيث حلفاء واشنطن الأكراد! حديث ترامب عن المفاوضات مع “طالبان” والإنسحاب من أفغانستان، لا يأتي من خارج هذا السياق الذي يدير البيت الأبيض عبر مزاجية “تويتر”، لهذا فإن “حال الاتحاد” لا تطمئن الكثيرين!