لا أعرف من أين أتى الانتصار وكيف تحوّل الى سلعة على لسان كل بائع للوطن والمواطن؟
 

فهمنا أن الإنتصار يكون في الحروب وضدّ الأعداء وبات نشيداً وأغنية وخطاباً للصغار والكبار وتحوّل مع الأيام الى سمفونية يعزفها ملحنون مجيدون وهواة ممن يستخدمون آلات العزف والطن والمدح لإطراب الزعيم أو القائد أو المنتصر أو المستنصر وباقي الأسماء من خلفاء وأمراء جُدُد باتوا أكثر حضوراً ممن حضر تاريخ الفتوحات وساهم فيه أو شارك طمعاً بجنة الحياة وآخرة الموت. 

دون التباس أو شك أو ريبة يصعد المسؤولون في لبنان خشب الشعب لخطابة رنّانة تهزّ الأكثرية الصامتة ممن اعتادت التعبير عن إعجابها بفنون أو جنون الخطابة بطريقة التصفيق الحار أو الهتاف المبحوح أو الممجوج وبشغف قل نصيره كونه يسدد خطى رجال لا ككل الرجال إنهم من نسل الشموس التي تأتي بالانتصارات المشرقة على جباه الوطن الذي أتخموه بوصايا الصانعين لأوهام ضيقت من مساحة الوطن ووسّعت من دوره في لعبة خاسرة أفقدت لبنان ما كان ربحه في بدايات تأسيسه.

إقرأ أيضًا: نتنياهو العربي والممانعة العبرية

يتنافس طلاب في الجامعات وتأتي النتائج محصورة بفوز أتباع الطبقة السياسية فيهيص المسؤولون ويعتبرون فوز الطلاب نصراً مؤزراً و مسدداً ورغم أنهم فازوا على أنفسهم إذ لا يوجد من يعارض أزلام الطبقة السياسية تقام جوقات الفرح ويأتي المتوج بإكليل النصر ليسرد قصصاً في البطولات الزاخرة والتي ستتحول إلى إنتصارات سياسية في حكومة موزعة على الطبقة السياسية نفسها وتبدو عنتريات عنتر مجرد غزل فاضح لعبلة ليس أكثر.

يصرح عدو أو يقول كلمة تخرج صواريخ الألسنة من كل فاه وينتشي النصر وتعاد صيحات المهللين لفتوحات الزمن الضائع وتمشي مواكب خاصة في حفل زفاف رسمي أو شعبي لنعي العدو بعد الاقتراب منه تنديداً وتهديداً سيعيدان قريباً بيت المقدس وما فات المسلمين الأوائل من مقدسات استحال عليهم فتحها أو أنهم تركوها للفاتحين الجُدد من جماعة الإنتصارات اليومية حيث يفخخون أنفسهم تقرباً إلى الله الذي لا يحب إلاّ من أتاه ممزقاً ومبعثراً نتف أشلاء كي يُعاد جمعها بطين من عجين الحور.

خيمت علينا خيم الإنتصارات المباركة من اليمين إلى اليسار ولا أحد يجافي الحقيقة ويقول أنه خسر ولو لمرة واحدة فالبلد تحت خط الفقر بأمتار ويقولون انتصرنا ولا حياة فيه حتى أبسط الخدمات غير متوفرة في ظل تخوف حقيقي وفعلي من انهيار العملة ومع ذلك يقولون انتصرنا لا فرص عمل وبطالة مكدسة وفساد متعدد الألوان والأشكال في كل مأسسة خاصة أو عامة ويقولون انتصرنا وتتكثف أجواء الجريمة والمتاجرة بالممنوعات وتتكاثر أعمال الفوضى ويقولون انتصرنا لا شيء صالح للحياة في لبنان اذ البيئة متخمة بالنفايات والسموم حتى الأطعمة والأشربة كلها ملوثات مؤدية الى أمراض فاتكة ويقولون انتصرنا.

إقرأ أيضًا: لمصلحة من إضعاف بري؟

لا أعرف من أين أتى الانتصار وكيف تحوّل الى سلعة على لسان كل بائع للوطن والمواطن؟ ولا أعرف كي بنى البناؤون الفاشلون أحجار الانتصارات على شكل هياكل لعبادة أصنام جديدة ليسكنها عابدون لا يجيدون سوى صلاة الموت؟

أسئلة غير محايدة وغير بريئة تسعى إلى إجابات منتصرة أيضاً كي تعيد بناء الأسئلة وفق هندسة صالحة للإستخدام والاستعمال في بلد لا توظف فيه الاّ عناصر الانتصارات ولا مكان فيه الاّ للمنتصرين على أنفسهم تماماً كما هو حاصل بين السياسيين الذين ينتصرون ولكن على من؟ سؤال تجيب عليه شراكتهم ومحاصصتهم لكل شيء وفي كل شيء حتى أدوار العبادة داخلة في حسابات المحاصصة لشركاء منتصرين منحهم الله رخصة في النصر والتأييد والتسديد فكانوا بحق أبناءه البررة مدعاة عزه وفخره وبهائه وصفوة خلقه فباهى بهم مخلوقاته الأليفة والكاسرة وجنسي الملائكة والشياطين وارتاح على عرشه مطمئناً على رعية يراعهم راع بألف عصا.