هذا الاسلوب الخطابي، حال اعتماده بشكل حصري، لم ولن يساهم في قراءة منتجة ومطلوبة، إذا أردنا من كربلاء فعلا أن تكون مدرسة يجب التعلم منها
 

واقعة كربلاء ليست حدثا تاريخيا عاديا، بالمعنى الاكاديمي للكلمة، بل هي محطة كبرى في سياق مسار ديني لها تداعياتها الفكرية وآثارها ومستلزماتها، لما تحمله من ابعاد ثقافية وتربوية على الحاضر كما على المستقبل ايضت… لذا فإنّ دراسة تفاصيل السيرة، وقراءتها ضمن سياق البيئة الاجتماعية، ووفق خلفية موضوعية، تعتبر حاجة ضرورية لفهم الاسباب التي ساهمت في ما آلت اليه الامور. خصوصا إذا أردنا تشريح الحدث على ضوء النتائج المباشرة وما انتهت اليه من هزيمة عسكرية لجبهة الامام الحسين (ع)، بعيدا عن التفسيرات الميتافيزيقية او محاولة ايجاد تبريرات شعارتية، مثل “انتصار الدم على السيف”. وتحديدا في الجانب الشيعي. فإنّ هذا الاسلوب الخطابي، حال اعتماده بشكل حصري، لم ولن يساهم في قراءة منتجة ومطلوبة، إذا أردنا من كربلاء فعلا أن تكون مدرسة يجب التعلم منها.

 

إقرأ أيضا : دولة الشيعة في لبنان

 

 

فواحدة من الامور غير المنتبَه إليها، واللامفكّر فيها، هي بعض المواصفات الايجابية التي كان يتمتع بها يزيد بن معاوية، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تمكين فريقه من استقطاب جماهير الامة واستمالتها الى جانبه. فمن غير الصحيح ان يزيد هذا كان مجرد شاب لعوب يداعب القردة ولا همّ عنده سوى اللهو والمجون، كما تحاول “الحكاية” أن تصوّره لنا، على ألسنة رواة السيرة الحسينية. وليست السلطة ومكتسباتها والقمع، كذلك شراء الذمم بالاموال، هي العوامل الوحيدة التي منها تشكلت “البروباغندا” الاموية لتقديم يزيد كخليفة وحاكم. بل وان كانت هذه العوامل موجودة، إلا أنّ هناك عوامل أخرى ساعدت في تشكيل “مقبولية” عند الجماهير واعتبار ابن معاوية محل تقدير واحترام عند قسم كبير من هؤلاء، وان كانوا مخدوعين بقيادته وسائرين تحت رايته. من هذه العوامل ما هو ذاتي ولا يمكن نكرانه كما جاء في الوكيبيديا بأنه “لعنة الله عليه” قد كان شاعرا، فصيحا، خطيبا، كريما، شجاعا، غير متكلف في حياته… والأهم من كل هذا تأتي انجازاته العامة. فقد كان قسم كبير من المسلمين ينظرون اليه على أنّه قائد انتصار معركة القسطنطينية الكبير، حيث شارك في تلك المعركة المهمة كبار الصحابة تحت قيادته. نظرا لما تمثل الدولة البيزنطية حينها من خطرخارجي محدق بالدولة الاسلامية. ما يعني أننا إذا أردنا اطلاق توصيف حديث على ما كان يمثله يزيد بن معاوية في ذلك الزمن فإننا لا يمكن الا ان نعتبره “قائدا ممانعا”، بلا شك.

من هنا تأتي عظمة واهمية النهضة الحسينية المباركة لتقول لنا وللتاريخ إنّ ظلم الحاكم لمجتمعه (قاتل النفس المحترمة) وتبديده المال العام، وانحرافه في ادارة شؤون الناس وطغيانه.. هي اسباب كافية للنهوض والقيام عليه وحرمة نصرته، حتى وان كان “ممانعا”، بمعنى “عداءه للعدوّ الخارجي”، تماما كما كان يزيد “بطل” الانتصار في معركة القسطنطينية الوجودية.