في كل مناسبة شيعية ومنها مناسبة العاشر من محرم يتبين حجم الطائفة الشيعية كدولة مسيطرة على كل شيء لإمتلاكها كافة الحق في إستخدام ما تراه مناسباً لإحياءاتها المذهبية لا الوطنية
 

من غير المتوقع لطائفة محرومة ومسلوبة الحقوق ومتذيلة بذيل الصيغة السياسية لعام 1948 أن تصبح المعادلة كلها رغم أن الظروف الموضوعية لا تسمح لها في مسك عصا القوّة في لبنان طالما أن التركيبة الطائفية في لبنان لا تسمح بغلبة شيعية وطالما أن المحيط العربي للبنان لا يسمح أيضاً بذلك إضافة الى طبيعة الطائفة نفسها والمفتقرة والمفتقدة لأي دور طليعي في ظل توهنات نابتة في تربتها الاجتماعية.

آنذاك لم يكن هناك مشعوذون ومحللون في الفلك والسياسة كما هو منتشر اليوم للتنبوء بمصير طائفة غير مذكورة في السطور الأولى من التاريخ السياسي وفي التجربة السياسية لمصادرة هويتها اللبنانية وانحيازها القسري لسورية في ظل صراعات دولية أدّت الى توزيع العالم العربي بحسب مصالح المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وكان للبنان ما كان من جائزة ترضية للمسيحيين جرّاء علاقتهم المصيرية مع المستعمر الفرنسي.

دفع الشيعة اللبنانيون أثمان غربتهم عن هويتهم اللبنانية مع قيام لبنان على دُفُعات وكانت آخر دفعة قد أقرّت حدود لبنان الاقليمية ودوره السياسي وطبيعة علاقته بمحيطه العربي وبامتداده الغربي في ظل إدارة سياسية مارونية يتعاون معها ممثلون لطوائف أخرى لا من باب الشراكة المتساوية.

لا مزيد من الدخول في الوعر التاريخي بالقدر الذي نريد فيه التأسيس لغياب الشيعة عن المسرح السياسي الى حين ولادة المشروع القومي العربي وانصهار الشيعة والتحامهم به  لا من المواقع المتحمسة بل من المواقع المسؤولة الى جانب الانتشار الكثيف بالاشتراكية الثورية في حركة ما يعرف باليسار العربي وكان للشيعة حماس زائد في الأحزاب الماركسية  بعد تأثر كبير بالثورة البلشفية وجاءت الحرب الأهلية عام 1975 لتكشف عن مدى انتشار الشيعة في البنى السياسية والعسكرية اللبنانية والفلسطينية وهذا ما عزّز من مقولة أن الفقراء وحدهم من يستشهدون لأجل الثورات وكانت الطائفة الشيعية أكثر الطوائف حضوراً في صفوف الموت.

مع الاحتلال الاسرائيلي بقيت الطائفة الشيعية وحدها في مواجهة الاحتلال لأسباب كثيرة لا حاجة الى سردها وتمكنت من الانتصار على المحتل بعد مقاومة طويلة  وكان لإتفاق الطائف دوراً في إنصاف نصفي للطوائف المحرومة ومن بينهم الطائفة الشيعية وهنا بدت صورة الرئيس نبيه بري تحتل شيئًا فشيئًا مساحة السلطة وساعده على ذلك دور وحضور الشيعة في كل المجالات إضافة الى طبيعة علاقته بالنظام السوري الذي مكّن مناصريه وحلفائه من السلطة إبّان السيطرة السورية التامة على لبنان.

إقرأ أيضًا: الحزب بين النعلة والزهرنة

مع خروج المحتل مهزوماً من لبنان بفعل الطائفة الشيعية ومن ثم خروج الجيش السوري مهرولاً من لبنان بقرار أميركي وما ترتب عن ذلك من فراغات في ظل انقسام سياسي حاد بدأ مع الأسباب الموجبة لإخراج سورية من لبنان ومن أهمها عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تتمكن سوى طائفة واحدة من ملء هذه الفراغات من الأمن إلى السياسة إلى بقاء الدولة.

هذا الملء الطوعي للفراغ كشف عن حجم الطائفة الشيعية في كل المجالات بحيث أنها برزت كدولة قائمة لا كطائفة قوية أو تملك فائضاً من القوّة  كما يحلو للبعض وصفها بالنسبة للطوائف الأخرى حتى في التعريف القانوني للدولة هي دولة قائمة لتوفر ثلاثة عناصر الأرض والشعب والسلطة.

في كل مناسبة شيعية ومنها مناسبة العاشر من محرم يتبين حجم الطائفة الشيعية كدولة مسيطرة على كل شيء لإمتلاكها كافة الحق في إستخدام ما تراه مناسباً لإحياءاتها المذهبية لا الوطنية من حواجز وترتيبات أمنية وقطع طرقات وشل مرافىء البلاد والعباد بما ينسجم مع طبيعة الترتيبات التي تحتاجها مناسبة من أهم عقائد الشيعة الإمامية.

للطائفة الشيعية الآن إمكانيات تتجاوز حدود و إمكانيات دول كثيرة من السلاح و التنظيم العسكري والمال والمؤسسات الاجتماعية و التربوية في ظل توفير فرص عمل مدنية وعسكرية وجهادية وفنية لأكثر من 300 ألف شيعي تقف وراءهم آلاف الأسر وبناء عليه أصبحت الطائفة الشيعية اليد الطولى في السلطة وخارجها وهي التي تحدد سياسات السلطة وتسمح لمن تريد بالوصول الى أي كرسي حسّاس في السلطة ولا حاجة لعرض النماذج المشهورة لتأكيد المؤكد.

في التجربة اللبنانية سقوط مدمر لثلاثة دول في الأولى كانت دولة المارونية السياسية والتي انتهت بأول يوم من بدء الحرب الأهلية وفي الثانية كانت دولة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أبي عمار والتي إنتهت بدخول المحتل الإسرائيلي وفي الثالثة كانت دولة الوصاية السورية التي إنتهت بمهزلة الهرولة من لبنان.

لا إمكانية لبقاء دولة داخل الدولة أو خارجها هكذا قال التاريخ وبناء عليه نأمل أخذ الحذر والحيطة ممن توهم أن دولته باقية بقاء الدهر لأن الخسارة ستكون مرعبة.