بين الأحمر و الأسود ولادة لمشروع سلطة غير متوقف زمنياً وهو معبّأ باستمرار ضدّ ألوان أخرى
 

في السيرة الشيعية توقف طوعي أمام مأساة كربلاء باعتبارها شُبّاك الماضي على الحاضر الذي حاصره و أسره ورفض إطلاق سراحه طالما أنه حيّ يُرزق بين مقابر البشر . وتعاطٍ مندمج مع المناسبة التي استحالت أن تكون موتاً أو مجرّد شهادة في التاريخ و عليه فتكوّنت شيعية حسينية غارقة في لونين كثيفين كانا أكثر حضوراً في الصمت التاريخي وأثناء كسر الصمت وصولاً الى التشيع العاشورائي على أكتاف المروجة الجديدة لجنازة الحسين عليه السلام .

إحتل اللون الأسود بحدّته ودكنته مرحلة طويلة من تاريخ المشيعين لجنازة سيد الشهداء أي ان اللون الأسود حمل دم الشهيد الأحمر لا الى مثواه بل الى دنياه التي عافها من باب الذلة طالما لا يوجد فيها عزّة فانتصر الأسود للأحمر بأن كفنه ولفه ودار به بحثاً عن ما يفتقد اليه السوداويون من بياض في القلب أو في الوجوه وقد أزفت الأزفة في أمّة عبدت فروج السلطة فقدمت أغلى نفائسها قرابين لها منذ اللحظة الأولى للفتنة الكبرى وصولاً الى الفتن الصغرى .

بين الأحمر و الأسود ولادة لمشروع سلطة غير متوقف زمنياً وهو معبّأ باستمرار ضدّ ألوان أخرى وله ما يُبرره كونه متصل بحبل السماء أي بدعوة مقدمة من قبل الملائكة والأنبياء وباقي أفراد عائلة الله المُثلى لمحكمة الزمن البشري وعليه تبقى محكمة التاريخ مفتوحة على الشهادة والشهود دون أن يكون هناك إمكانية للتوصل الى ما يغلق أبواب القضية لإستحالة البتّ فيها ومحاكمة الجناة الذين يتجددون لا في كل زمن و مكان بل في كل يوم كولادة طبيعية ليزيد وعمر ابن سعد وابن زياد والشمر اللعين .

 

إقرأ أيضًا: عاشوراء مناسبة أكبر من أي طائفة أو دين

 

 

وحده الحسين لا يولد لأنه لم يمت وهو خارج حسابات الولادة ولكنه ضمن حسابات التاريخ وقد دخل مرحلة التصفيات اللانهائية في أدوار الصراعات المفتوحة على الثنائيات القديمة بين ما هو حق وما هو باطل بين ما هو إيمان وما هو كفر وكلها عناوين تغذي مساحات السلطة وضرورات البحث عنها في أي عنوان من عناوين القداسة أو القذارة لاهمّ ما دام يلبي الشروط المطلوبة للطامحين والطامعين بكرسي الله أم بكرسي الشيطان .

غلب الأحمر و الأسود باقي الألوان وما الرايات المرفوعة بين المعسكرين الاّ توابع للونين المذكورين وهما من طينتين مختلفتين لجماعتين متناقضتين لا يجمع بينهما الاّ نزعة الخير في الإمام المُثجّى في سجون نوازعهم اذ ان الجماعة الأولى اكتفت بلف تجربتها بالسواد فقط وهي من أسنان القوم ومن فئة التجار الذين يجنون ثمار جماعة الأحمر ممن بذلوا دماءهم تأسياً بالحسين سلام الله عليه وتماثلاً بأصحاب كربلاء ومع الثلة العطرة ممن وهبوا ما ملكوا من أنفس في سبيل الإصلاح في أمّة محمّد (ص) .

منذ حركة التوبة الأولى ومشيعو الإمام الحسين مسودون ومحمرون بحثاً عن أدوار مفقودة في سلطة عدمت روح إسلام النبيّ الأكرم وفرضت عودة الى ما يشبه الجاهلية فذهبت السلطة باتجاه القبيلة وأفخاذها وهذا ما عطّل  من فرص المساواة في الإسلام و أتاح بخلافة معاوية ملكية بمعايير قبلية وهذا ما هدّم مشروع دولة الخلافة أو الإمامة بحسب سعي المذاهب  المتعددة والمتشتتة في فهم المصادر التاريخية .

بقي التاريخ الاسلامي الفتنوي واقفاً عند مصيبة كربلاء دون مغادرة تُذكر لسقوط عملية الاصلاح وانتهاء دور المصلحين باستشهاد سيد المصلحين الإمام الحسين وبقي تطرّف السيف وحده سيد الإسلام دون منازع آخر لارتكاز الدعوة المحمدية على العنف في آيات القتال وفي التجربة الخاصة بالنبيّ الأكرم والراشدين من بعده بحسب استقرار فهم المذاهب الاسلامية للدين كمشروع دولة انتحرت من أجله فرق وشيع و أحزاب وتنتحر الآن لأجله حركات الإسلامين السياسي و الجهادي وبدرجة عالية من الإنتحار وقد أوجدوا فنوناً وابتكارات رخّصت من قيمة التضحية والفداء وجعلت منها أعمالاً منافية للكرامة الإنسانية .