لم يجامل روحاني شعبه ولم يسند جميع المشاكل إلى الإستكبار العالمي بالرغم من أن قرار الرئيس الأمريكي في الإنسحاب من الإتفاق النووي وإعادته العقوبات كان له تأثير كبير
 

إنه رجل الأمن القومي الإيراني قبل ما يكون رئيساً للجمهورية حسن روحاني أثبت خلال مثوله أمام البرلمان يوم أمس  للرد على أسئلة النواب الخمسة أنه قادر على ضبط النفس وإدارة الخلافات مع خصومه السياسيين البرلمانيين وتخييب أمل العدو المتربص، الرئيس الأميركي المارق دونالد ترامب الذي يعوّل على أوهام يعتبرها حقائق فيما يتعلق بتأثير عقوباته على الاقتصاد الإيراني وزعزعة أركان النظام. 

وكان بيت القصيد لرد الرئيس روحاني على اسئلة النواب هو أننا لن نسمح لأمريكا ان تمرر مؤامراتها. فضلا عن انه اعتبر ان تلك الأسئلة ليست من وحي خيال النواب بل أنها اسئلة الشارع وهكذا أضفى شرعية ومقبولية على تلك الأسئلة بدل إلقاء اللوم على النواب الذين طرحوا تلك الأسئلة التي أقل ما يمكن القول عنها أنها محرجة خاصة في هذه المرحلة الدقيقة للغاية. 

لم يلجأ روحاني إلى أساليب الإحراج والافضاح والإقصاء ولا الجدل الذي يجيده كما اثبته خلال المناظرات الانتخابية الرئاسية الأخيرة حيث ان الرئيس لا يليق به ما يليق بالمرشح الرئاسي. كان في جعبة روحاني الكثير من المعلومات والمعطيات التي من شأنها أن تزيل المسؤولية عن عاتقه وتلقيها على الآخرين ولكنه فضّل البقاء أمام موجة الانتقادات حتى لا يربك الشارع.

الأسئلة التي وجهها له نواب في البرلمان كانت كالتالي:

1-  لماذا لم تنجح الحكومة في مكافحة التهريب الذي يعد أحد أهم عوامل شلل الإنتاج الوطني؟ حيث اعتبر 138 نائبا رد روحاني غير مقنع فيما اعتبر 123 نائبا الرد مقنعا وامتنع 6 عن التصويت.

2-  ما هو السبب في استمرار الحظر المصرفي (على إيران) رغم أن إيران التزمت بجميع تعهداتها في الاتفاق النووي؟ حيث اعتبر 137 نائبا روحاني مقنعا فيما اعتبر 130 نائبا الرد غير مقنع وامتنع 3 عن التصويت.

3-  لماذا لا تقوم الحكومة باتخاذ إجراءات مناسبة لتقليص البطالة المفرطة؟ حيث اعتبر 190 نائبا الرد غير مقنع و 74 مقنعا وامتنع 8 عن التصويت.

4-  ما هو السبب في الركود الاقتصادي الذي يستمر منذ أعوام رغم الوعود والإعلان عن تجاوز الركود؟ حيث أعلن 150 نائبا عدم اقتناعهم بالرد فيما أعلن 116 نائبا الرد مقنعا فيما امتنع 6 عن التصويت.

5-  ما هو السبب في الارتفاع المتسارع لأسعار العملة الأجنبية والانخفاض الشديد لسعر العملة الوطنية؟ أعلن 196 نائبا عدم اقتناعهم بالرد فيما أعلن 68 نائبا الرد مقنعا وامتنع 8 عن التصويت.

يظهر من خلال النتائج أن محوري البطالة وانهيار العملة الإيرانية هما أكثر ما يشغل بال النواب كما المواطنين حيث أنهما تلامسان الحياة المعيشية بشكل مباشر.

إقرأ أيضًا: إيران: الصراع بين الرئيس والبرلمان

اعتبر روحاني أن جميع تلك المطالب، مطالب محقة ولكن المشكلة الأساسية ليست في الأوضاع الاقتصادية والمالية أو نقص احتياطي إيران من العملة الصعبة مؤكدا على تحسن مستوى الصادرات النفطية وغير النفطية وارتفاع مستوى احتياطي البلاد من العملة الصعبة والذهب، ولكن المشكلة تكمن وفق الرئيس روحاني في خوف المواطنين من مستقبل البلاد ووضع روحاني المجاملات جانبا مع الشعب واعتبر أن تغيير رؤية المواطنين للمستقبل هو السبب الأساس لمشكلة انهيار العملة ورفع الأسعار.

ولم يجامل روحاني شعبه ولم يسند جميع المشاكل إلى الإستكبار العالمي بالرغم من أن قرار الرئيس الأمريكي في الإنسحاب من الإتفاق النووي وإعادته العقوبات كان له تأثير كبير، ولكن الرئيس روحاني يعتبر أن إيران تستطيع تدوير تلك العقوبات التي ترفضها أوروبا والصين وروسيا وبقية دول العالم باستثناء الكيان الصهيوني وبعض دول المنطقة.

كما لم يستغل الرئيس روحاني المعتقدات الدينية بخلاف نظيره التركي الذي طمأن شعبه من صمود الليرة أمام الدولار الأميركي قائلا " إذا هم لديهم الدولار فنحن لنا الله! " وكأن الله يتدخل في المواجهة بين تركيا وأمريكا لإنقاذ الليرة من الإنهيار.

روحاني ينتقد شعبه على خوفه من المستقبل ويؤكد له بأن البلاد لديها من احتياطي العملة الصعبة والذهب ما يمكنها من تجاوز الفترة الصعبة التي يعيشها في الوقت الراهن. 

وفيما يتعلق بتخصيص العملة الصعبة للمسافرين الى الخارج خلال الشهور الأربعة الماضية أكد روحاني بأن تلك الخطة كانت من أجل تجنب التوتر في السوق والسيطرة على أسعار العملة الصعبة حتى لا يلجأ المسافرون إلى السوق السوداء.

وإذ أكد روحاني على ضرورة التضامن والوقوف صفا واحدا لمواجهة التحديات، أشار الى تأثير الخلافات والصراعات الداخلية على موقف الآخرين، قائلا: "إن الاحتجاجات التي انطلقت في نهاية كانون الأول العام الماضي، هي التي طمعت الرئيس الأمريكي في فرض العقوبات ضد إيران، حيث أنه بعد مضي أيام من تلك الاحتجاجات صرح بأنه لن يبقى الاتفاق النووي إلا بعد تعديل البند المتعلق بغروب ( انتهاء) الرقابة على أنشطة إيران النووية وأنشطة إيران الباليستية" في إشارة واضحة إلى جهود خصومه المحافظين الذين أطلقوا احتجاجات بمدينة مشهد في 28 كانون الأول 2017 ضد حكومة روحاني رافعين الهتاف بالموت لروحاني والموت للغلاء، ولكنها خرجت عن سيطرتهم وتعدت إلى مدن كثيرة ولكنها خمدت بعد ما تبين بأنها تفتقد إلى العمق في الطبقة الوسطى الاقتصادية والسياسية.

إجابات الرئيس روحاني لم تكن مقنعة للبرلمان إلا فيما يتعلق باستمرار الحظر المصرفي على إيران، ولكن يبدو أن روحاني كان ناجحاً في امتصاص سخط البرلمان والشارع معاً . كان بإمكان روحاني أن يخرج من جلسة المساءلة البرلمانية بطلاً بكشف الأوراق الفاضحة وإلقاء المسؤولية على الآخرين، ولكن الرجل الذي تولى خلال 40 عاماً مناصب مهمة كنيابة البرلمان وأمانة عام مجلس الأمن القومي ومجلس خبراء القيادة وصولاً إلى الرئاسة، لديه من مخزون الخبرة والحنكة ما يكفي لتجاوز الموجة الصديقة التي شنّها نواب محافطون. إنه انحنى أمامهم كالقصب ليرفع رأسه بعد إنتهاء عاصفتهم الصغيرة.