يصدمنا الروائي المصري بهاء طاهر برواية «عبثية» خرجت من كمّ الاستهتار الأدبي، لدرجة يخال معها القارئ أنها لكاتب أجنبي عهد بها إلى مترجم مبتدئ فلم يُتقن أصول التجريد والتحديد والتركيب السردي.
 

فعلى رغم أنّ بهاء طاهر كاتب مصري مهم عايَش أحداثاً كبيرة، فهو لم يكن أميناً كعادته في نسج أطراف الرواية على منوال المنطق.

يسدّد الكاتب لكمات قانِطة لبصيرة المتلقّي من خلال سرده لرواية روتينية عادية لموظّف حكومي عاش عهد الثورة في مصر التي حدثت عام 1952، وكان في أوج حماسه عندما كان شاباً وينتهي به الأمر الى مكتب في وظيفة حكومية وفي طابق من مبنى يكاد يخلو إلّا منه، يتعرّف الى موظفة جديدة تدعى ضحى تشكّل تغييراً هامّاً في حياته، إذ انه رجل عازب مسؤول عن أخته بعد وفاة والديه، ويصبّ جام اهتمامه على تزويجها بشكلٍ لائق وتأمين جهازها ونفقات العرس.

زلزال

تحدث ضحى هذا الزلزال الجميل في قلبه، رغم كونها امرأة متزوجة، إلّا أنه يلاحظ بأنها تعاني مشاكل عائلية مع زوجها وأسلوب حياتها معه.
تتسابق الأحداث وكلّ ما تقوله ضحى يصدّقه على الفور، وينفي الشائعات التي كانت تتزاحم من حولها وترشقها باتهامات بأنها عشيقة الجميع، ومن ضمنهم الرئيس الكبير، ويزجر صديقه حاتم عندما يحذّره منها.

كل شخصية في الرواية تمثّل طبقة اجتماعية أو انتماء سياسياً معيّناً، فالبطل ينتمي إلى الحماس المُتّقِد في ثورة لم تكتمل شروطها فيحبط، وحاتم صديقه يرمز إلى جيل الثورة الذي اندمج بالوضع الحالي، وبدأ بالاستفادة منها وبالاستسلام لتداعياتها، وسَيد الرجل البسيط الذي توسّط له البطل لدى حاتم كي يعيّنه ساعياً وأصبح رئيساً للعمال يمثّل الطبقة البسيطة الكادحة، الهاتفة للثورة والمؤيّدة لإبادة حكم الأسياد والطبقة البرجوازية المحتكرة من باشوات لا ترحم. أمّا ضحى فتظن نفسها ضحية هذه الثورة بعد أن كانت حفيدة الباشا وزوجة إبن الباشا، فتصادر أموالها ومقتنياتها وتنتقل من العز إلى الوجع والعمل، ولهذا تضطر للعمل في الوظيفة.

حشو روائي!

تتصاعد الأحداث وتوافق الحكومة على إرسال البطل وضحى إلى ايطاليا في منحة دراسية، حيث تتطوّر علاقتهما ويصارحها بحبه وتُسلّمه نفسها... ولكنها ما تلبث أن تعرض عنه بلا سبب وتصدّه صدّاً عنيفاً وجارحاً...

هناك حشو دخيل في الرواية كأن يلتقي في ايطاليا بأستاذة ايطالية تعرض عليه مهنة التجسّس فيرفضها... إلى ما هنالك...

يعود مع ضحى فور انتهاء مدة البعثة إلى مصر، حيث ينهمك في زواج أخته سميرة من محام في الحكومة... ويزداد جفاء ضحى، ثم تنتقل من المبنى الذي يعملان فيه سويّاً إلى مبنى رئيس مجلس الإدارة مباشرة، ليكتشف فيما بعد أنّ هناك أموالاً تُهدر وميزانية تختل جرّاء الفساد الذي يقوم به الرئيس، وتتستّر عليه ضحى ويساعدها زوج أخته سميرة حيث يكشفهم له سيد الحاجب البسيط.

يقوم بطرد زوج أخته وأخته، وتحذير ضحى ومعاتبتها... هنا تتسارع الأحداث على وتيرة ضوضاء صاخبة، تسرق وهج الحبكة وتطويها إلى قسمين... قسم يسرد وقسم يعاني...

معاناة ذاتية

جلال طاهر الذي عوّدنا على التسلسل والتمكّن من السرد الوضعي والأولي للرواية، كما فعل في رواية واحة الغروب، تَفلت هنا من زمام يديه أصول المنطق في الأحداث ونراه في معاناة ذاتية مع السرد، وكأنه يريد أن ينهيها بعبثية، والأرجح أنه لم يعد قراءة روايته بعد الانتهاء منها.

حاول طاهر أن يقدّم روايته «قالت ضحى» كوثيقة سياسية تسرد أحداثاً هامّة من تاريخ مصر والثورة، وكوثيقة إنسانية تفصّل النواحي الإضطرابية في سلوك الناس من جرّاء تلك الهزة السياسية الهامّة في مصر، ولكنه تخبّط بعوامل التسرّع والانبهار الذاتي فتداخلت الأحداث وتشابَكت العقدة.

فهو يحاول أن يرمز من خلال عنوان الرواية، إلى ما قالته ضحى في كلّ مرحلة من مراحل التطور الحدثي، ولكنه تعثّر في حبال العقد الكثيرة التي التفّت حول عنق المغزى فخنقته، ولم يفسح الطريق للنبوءة المُتّقدة التي نضحت بها الرواية لمصير الغد في مصر بأن تبرز كما تستحق في ثنايا روايته.