هل ستكون التنازلات مُتبادلة للتوصّل إلى تسوية وسطيّة بين الأطراف المُتناقضين، أم أنّ أحد الأفرقاء سينجح بفرض وجهة نظره على الآخرين
 

 

يبدو أن مهلة تأليف الحكومة ليست مفتوحة، وأن تسريع وتيرة المشاورات ما بين المعنيين بهذه المهمة قد بات أمراً ملحاً، خصوصا وأنه منذ تكليف الرئيس سعد الحريري، تسير العملية وفق إيقاع بطيء، على الرغم من كل المناخات المشجّعة على الصعيدين الداخلي والخارجي من أجل متابعة إنجاز الإنتخابات النيابية بإنجاز تشكيل حكومة "وحدة وطنية"، وذلك بانتظار المزيد من الخطوات على أكثر من مستوى داخلي. 

البلاد اليوم في اجواء عيد الفطر المبارك الذي شكل حالة من الوحدة بين اللبنانيين وخاصة على مستوى المذاهب الاسلامية وعلى الرغم من العطلة واجواء الهدوء ، لم يستطع الرئيس المكلف حتى الآن من فتح كوة بجدار تأليف الحكومة الجديدة، في ظلّ تمسّك القوى السياسية بتمثيل وزاري واسع، ورغم المعلومات التي تتحدث عن بروز عقد كبيرة في طريق الرئيس المكلّف،إلا أن بعض المصادر القريبة من القصر الجمهوري خففت من خطورتها، واعتبرتها في إطار السقوف المطلبية الخاضعة للتفاوض، فيما بينت مصادر مقربة من رئيس الحكومة أن الأمور دخلت مرحلة النقاش الجدي في الساعات الماضية، واعتبرت أن الحريري أصبح لديه صيغة حكومية على الورق بنسبة 90 في المائة، ويبقى التفاوض على تعديلات طفيفة، وإسقاط الأسماء عليها.

وبرزت في الساعات الأخيرة تعقيدات بدَتْ مستعصية على الحلّ في وقت قريب، وذكرت بعض المصادر المواكبة للمشاورات أن "هناك عدة عُقَد رئيسية، تتعلّق بالتمثيل المسيحي والمواجهة القائمة بين "القوات اللبنانية" والتيار الوطني الحرّ، واستمرار وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل في رفضه منح "القوات" أربعة مقاعد وزارية، وعقدة اخرى تكمن في التوزير السنّي وهذه العقدة تقف عند عتبة الحريري نفسه، الذي لا يقبل بتوزير شخصية سنية من فريق الثامن من آذار، وعقدة قد تكون الأصعب وهي مرتبطة بتمسّك الحزب التقدمي الاشتراكي بالحقائب الدرزية الثلاث، ورفضه المطلق توزير النائب طلال أرسلان على حساب حصّته"، وأشارت المصادر إلى أن «التمثيل الشيعي وحده يقف خارج التجاذب، بعدما آلت الحصة الشيعية إلى حركة "أمل" و"حزب الله" مناصفة".

 

إقرأ أيضا : الحكومات الصائمة وتعاسة العيد السعيد

 

ومن العقد ايضاً تأتي حرب باسيل على مفوضية اللاجئين في ظل وجود وزير لشؤون النازحين ووزير للشؤون الاجتماعية، وفي ظل غياب قرار لمجلس الوزراء، تطرح هي الأخرى تساؤلات عن أسباب توقيت هذه المعركة في الوقت الضائع مع حكومة تصريف أعمال، وفي تجاوز جليّ لصلاحيات مجلس الوزراء ورئيسه. ولعل الأهم ما تطرحه من تساؤلات حول مرامي تحوّل وزير الخارجية إلى رأس حربة في هذه المواجهة، حيث ستجد القيادات المسيحية نفسها - سواء القوات أو الكتائب من منطق المزايدات ضمن البيئة المسيحية - شريكة في المعركة في وجه المجتمع الدولي، في وقت يقف "حزب الله"، شريك النظام السوري في القتل والتهجير، موقف المتفرّج. 

السؤال يكمن في ماهية المصلحة اللبنانية في هذا التوقيت الحرج من خوض معارك بالنيابة عن إيران والنظام السوري و"حزب الله"، وما معنى أن يخرج رئيس الجمهورية - في ظل عدم وجود حكومة - كي يخوض معركة العودة من دون انتظار الحل السياسي الذي سيطول انتظاره؟ النقاش هنا لا يتجاهل وجود أزمة نزوح لكن أولى متطلبات نجاح الحلول في شأنها تتطلب وجود خطة وطنية لا طائفية فيما الحرائق المذهبية والطائفية تغزو المنطقة . وعلى ضوء هذه المعطيات تشير الأجواء المستقاة من حركة المشاورات بأن رئيس الجمهورية ميشال عون، رفض تشكيلة وزارية قدمها إليه الرئيس سعد الحريري يوم الثلاثاء الماضي، بسبب اعتراض عون على آلية لتوزيع الحقائب وبعض الأسماء، بما يؤشر إلى أن أمد التأليف سيطول، إلا أن مصادر قصر بعبدا، نفت هذه المعلومات جملة وتفصيلاً. وأكدت أن الحريري نقل إلى رئيس الجمهورية توضيحات الكتل الكبرى بما خصّ مطالبها، وجرى تبادل وجهات النظر، واتفقا على متابعة المشاورات بعد عودة الحريري من زيارته الخارجية. وذكرت تلك المصادر أن الرئيس "لم يقبل ولم يرفض أي صيغة، لأنه لم يتسلم تشكيلة حكومية أصلاً، بل اطلع على بعض الأفكار المطروحة لمعالجة مطالب الكتل النيابية الوازنة"  ورداً على الأجواء السلبية التي جرى تعميمها في الساعات الماضية، أعلنت مصادر مقربة من الحريري أنه لا وجود لعقد مستعصية، أو لعرقلة متعمدة لتأليف الحكومة. وأشارت إلى أن "خريطة التشكيلة الحكومية وتوزيع الحقائب باتت جاهزة ، وقد تكون هامشاً لتعديلات طفيفة من بعض الأطراف، ولإسقاط الأسماء على التشكيلة الوزارية". وقالت: "الوقت الآن هو للنقاش السياسي وبلورة التفاصيل، وليس للحديث عن أجواء تشاؤمية وتطيير الصيغة الحكومية". ويسعى فريق الثامن من آذار، وعلى رأسه "حزب الله " لتوزير شخصية سنيّة محسوبة عليه، مستنداً إلى وجود عشرة نواب سنّة من خارج اصطفاف تيار المستقبل وقوى 14 آذار إلا أن مصادر الحريري وصفت هذه الرغبة بأنها أضغاث أحلام لدى مروجيها. وسألت: كيف يمكن للثنائي الشيعي أن يضع بلوكاً حول حصته الشيعية، فيما يحاول توزيع هدايا لحلفائه من حصة المستقبل؟!. وقالت: إذا قرر الرئيس الحريري توزير شخصية حيادية ومستقلّة من الوسط السنّي تكون مقبولة من الجميع، هذا الأمر يعود له، أما توزير أحد من فريق "حزب الله " وحلفائه فهذا أقرب إلى الخيال. 

 

إقرأ أيضا : تألّفت الحكومة ..لم تتألف..والخلاف على توزيع الحُصص- الغنيمة

 

ففي نهاية المطاف وبحسب كل المعلومات المتوفّرة ، يُمكن الحديث عن مُواجهة صامتة قائمة حاليًا بين اتجاهان متعارضان، الأوّل يُحاول تسويقه الحريري وهو يسعى من خلاله إلى تمثيل حُكومي مُتوازن سياسيًا، تحت سقف حُكومة وحدة وطنيّة، شبيهة بأحجامها وبتقسيماتها وبتوازناتها بحكومة تصريف الاعمال الحالية، والثاني يُحاول تسويقه الثنائي الشيعي والتيّار ولوّ من إعتبارات ومُنطلقات مُختلفة، ويقضي بتشكيل حُكومة تعكس بدقّة نتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة.

 وأخيراً يمكن القول، أن الحكومة الجديدة ستتشكّل في نهاية المطاف، حتى لو إستغرقت عمليّة تشكيلها بعض الوقت نتيجة عمليّة "شدّ الحبال" الحاصلة حاليًا، والتي تدور بشكل شبه صامت حتى إشعار آخر. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستكون التنازلات مُتبادلة للتوصّل إلى تسوية وسطيّة بين الأطراف المُتناقضين، أم أنّ أحد الأفرقاء سينجح بفرض وجهة نظره على الآخرين؟