منذ عقود يرى الكثيرون في إيران بأن فارسي هو جزء من الصندوق الأسود في قضية إختطاف الإمام موسى الصدر
 

 

بعد إختفائه عن الأنظار منذ عقدين من الزمن عاد النائب السابق في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني جلال الدين فارسي الى الواجهة السياسية بعد تصريحاته الأخيرة بشأن الإمام السيد موسى الصدر التي كشفت عن وجهه الإرهابي.

من هو هذا الرجل الذي يعتقد أن السيد الصدر كان يستحق الموت عقوبة على العلاقة الطيبة التي دشنها مع المسيحيين وتردده على كنائسهم ودعوته الآباء المسيحيين الى المساجد.

هل هو كان رجل دين أو قاض في المحكمة الشرعية ليؤهله موقعه الديني أو منصبه القانوني لإصدار حكم القتل؟ ام كان عميلا لجهاز المخابرات للديكتاتور القدافي؟ 

جلال الدين  فارسي ( 1924مشهد) التحق مبكرا منذ أربعينيات القرن العشرين بالجمعيات الدينية السياسية بمدينة مشهد شمال شرقي إيران وبدأ بالتأليف حول الشؤون الدينية واهتم بتفسير القرآن ودرس التفسير على يد محمد تقي شريعتي والد المفكر الشهير علي شريعتي. بعد إطاحة حكومة محمد مصدق الوطنية جراء عملية أجاكس الأميركية وصل الفارسي الى القناعة بأن السبب الحقيقي لسقوط الحركة الوطنية الإيرانية هو غياب أيديولوجية ثورية قادرة على تعبئة الشعب. 

تعرف على رجل الدين السيد علي الخامنئي وعدد من رجال الدين المنتمين إلى آية الله الخميني الذي نهض إسلاميا بعد خمود الحركة الوطنية. 

غادر الى العراق في العام 1960 لفتح قناة للتواصل مع ثوار 14 يوليو ولكنه أخفق. ثم اتجه الى سوريا ولبنان وعاد الى إيران بعد شهور واعتقل عند الحدود وقضى عاما في السجن. ثم انصرف الى التعليم الديني في المدارس وفي العام 1979 غادر الى لبنان وأقام هناك وأصبح كبير المناضلين الإيرانيين الذين هربوا من إيران تجنبا من سجون السافاك وتعذيبها. 

ووجد فارسي ومن معه من الإيرانيين المعارضين في منظمة التحرير الفلسطينية بيئة حاضنة لهم في الأراضي اللبنانية وتلقوا التدريبات العسكرية على يد فدائيي منظمة التحرير واستمرت العلاقة الحميمية بين هؤلاء الإيرانيين و رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات الى ما بعد انتصار الثورة الإيرانية. 

إقرأ ايضا : مسؤول إيراني سابق: موسى الصدر كان يستحق الإعدام

 

وخلال الستينيات عكس الخلاف بين الإمام الصدر وبين منظمة التحرير بظلاله على العلاقة بين  فارسي والصدر، حيث أن الثوار الإيرانيين كانوا مع الفلسطينيين ويدافعون عن حقهم في شن عمليات عسكرية من الجنوب ولكن الإمام الصدر كان يدافع عن أمن الشيعة في الجنوب ويرى بأن سكان الجنوب العزل  يدفعون تكاليف العمليات التي تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية ولهذا كان يتحفظ في تلك القضية ودعا الى بناء مجتمع مقاوم وتحميل مسؤولية الدفاع عن الجنوب لجميع اللبنانيين وليس الشيعة الجنوبيين فقط.

هناك موضوع آخر للخلاف بين  فارسي والصدر وهو أن الصدر كان محافظا وليس ثوريا تجاه النظام الإيراني رغم ان أنصاره الإيرانيون كانوا معارضين لنظام الشاه. 

أما المعارضون الإيرانيون الذين التفوا حول  فارسي كانوا يتوقعون من الصدر أن يحاكي دور معارض سياسي ثائر ضد نظام الشاه. الا ان موقع الصدر كرئيس لمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورجل دولة لا يسمح له بأداء ذاك الدور. 

تحفظ الصدر من التصعيد تجاه النظام الملكي الإيراني لم يوتر العلاقة بينه وبين الإمام الخميني الذي كان يقود الثورة من منفاه النجف وأما الشباب الثوار المتحمسون كانوا ينطلقون من مبدأ إما معنا او ضدنا.

أدى  فارسي دور حلقة الوصل بين النظام الجديد وقيادتها وبين منظمة التحرير ورافق عرفات في أول زيارة له إلى إيران ولقائه الإمام الخميني.

وبما أن الخميني كان يعارض فكرة تولي رجال الدين المناصب السياسية برز فارسي كمرشح رئاسي رئيسي للتيار التقليدي من كبار الثورة الإسلامية ينافسه في ذاك المنصب ابو الحسن بني صدر المثقف الخبير في الاقتصاد المتخرج من جامعات باريس. والفرق بين  فارسي وبني صدر كان يكمن في ان  فارسي كان اقرب من رجال الدين والثوار وقد عاش الحالة الثورية في منطقة الشرق الأوسط بخلاف بني صدر الذي كان يطغى على شخصيته الطابع الأكاديمي أكثر من انه ثوري. 

وبالرغم من انه كان اكثر حظا من منافسه بني صدر إلا ان جذوره الافغانية حالت دون ترشحه وفاز بني صدر في اول انتخابات رئاسية. 

لم يخف فارسي عدائه وحقده للإمام الصدر طيلة أربعة عقود عبر اتهامه بالعلاقة الحميمية مع الشاه ولكنه في مقابلته مع وكالة فارس للأنباء الأسبوع الماضي كشف عن قناعته بأن دم الصدر مهدور لأنه دعا المسيحيين - ويفترض الفارسي أنهم كفار- الى المساجد وربما يعتبر بأن تدنيس المساجد يعاقب بالقتل. 

ومنذ عقود يرى الكثيرون في إيران بأن فارسي هو جزء من الصندوق الأسود في قضية إختطاف الإمام الصدر كما نقل عن عبد السلام جلود رئيس وزراء القذافي قوله: " إسألوا جلال الدين فارسي اذا أنتم تبحثون عن مصير الصدر. "

لم يكن أحد يجرؤ ان يتهم  فارسي بالارتباط مع القذافي بقضية الإمام الصدر إلا أنه هو كشف القناع عن وجهه أخيرا عبر التعبير عن موقفه تجاه الإمام الصدر وتأكيده على أن القذافي أدى واجبه الشرعي بقتل الإمام.