لو أنّ حكام الدول المدمرة من سورية الى اليمن أحسنوا السياسة ولبوا مطالب الشعب لما أغرقوا البلاد والعباد وحولها الى أطلال
 

عندما حكم ستالين بقبضة من حديد باسم الثورة البلشفية شعوب الإتحاد السوفياتي كانت سيول من التبريرات الثورية تبرىء الذابح من ذبحه باعتباره الرمز للثورة التي لا تستقيم إلاّ بالبطش والمجازر وتصفية المعارضين لجوره وكان المنضوون تحت العلم الأحمر السوفياتي يرون في البطل ستالين ضمانة للإنجاز التاريخي وفعله الإجرامي ما هو الاّ قصاص الثورة، ومحكمة الثوريين المفتوحة لمحاكمة الخونة من المثقفين والفلاحين، وطيلة حكمه الاستبدادي لم يُدن الشيوعيون ستالين، وهكذا كبُر حجر اعتراض المتضررين من السياسات الستالينية ممن تسميهم السلطة المتعسفة بالخونة الى أن نضجت ظروف التحرر من سلطة العصا والجزمة الشيوعية وتمّت نهاية أسطورة الاشتراكية بعد أن سيطرت بأفكارها وبقوّتها على عقول ودول لا تُعدُ ولا تُحصى وبسرعة البرق كانت نهاية الديكتاتور السوفياتي على يدّ من أسماهم بالخونة وعملاء الثورة والمتربصين والمتصيدين بالأمن السوفياتي من التابعين للامبريالية الأمريكية.
إقرأ أيضًا: بوتين أسد سورية والآخرون خراف
لم يكن يتصور شيوعي قديم أو بمبتدأ في الحركة الاشتراكية الثورية في العالم أن الثورة البلشفية بعنفها مشروع فشل مهما بنت من دولة عملاقة في مجال التسلح واستطاعت أن تنافس دول الغرب في هذا المجال وأن تدخل معهم في حرب باردة ولم يكن أحد من الجماهير الشيوعية أو من المناضلين من أجلها مستعد لسماع صوت اعتراضي على التعسف في استخدام السلطة باسم الثورة الشيوعية وكانوا يعتبرون الاستبداد السوفياتي ديمقراطية البروليتاريا ولا مجال للتراخي مع أعداء الثورة من الباحثين عن أمن سياسي أو اجتماعي ومع عملاء باعوا أنفسهم لأميركا عدوة الشعوب.
هذه الأنغام لم تستطع حماية الاتحاد السوفياتي من السقوط المُذل للتجربة الشيوعية ولو تم ّ التعاطي بإيجابية مع الحركات المطلبية من الخبز الى السياسة لبقي الاتحاد السوفياتي حيّاً غير ميت ولبقيت الماركسية طريقاً مفتوحاً لوصول الانسانية الى الصيغة الاشتراكية باعتبارها الحلّ الأمثل لسعادة الانسان.
دخلت الثورة الكوبية لُب المجتمعات الفقيرة والساعية نحو حلول تنجيها مما تعنيه من أنظمة مستبدة وكان كاسترو أملاً كبيراً بالنسبة لها وهو المناضل الذي استطاع بإمكانية بسيطة الوصول الى السلطة بعد رحلة نضالية شاقة ومن تأسيس الاشتراكية الكوبية التي صفقت لها جماهير الفقر في العالم وسرعان ما تبيّن فشل الثورة في تجربة الدولة باعتماد العصا الستالينية واسكات الأصوات المعترضة بقطعها وتحويل الدولة الكوبية الى مزرعة لكاسترو يخدم فيها الكوبيون دون مقابل وهذا ما دفعهم الى اختيار الموت في البحر الأمريكي على الحياة في كوبا وحتى الآن حلم كل كوبي أن يجد نفسه ولو لمرة واحدة في أميركا بعد أن أكلت سياط كاسترو من لحمه ومازال وريث كاسترو يتقن لغة السياط.
إقرأ أيضًا: رشاشات كلامية ضدّ أميركا
جاءت الثورة الايرانية كحلم شارد وفي لحظة من الخيال لتعيد مجد الشعوب الى أدوارها المتقدمة بعد أن خسرت ما خسرته من التجارب المرّة في الاشتراكية والقومية وبعد أن كانت طليعة صناعة الثورة أصبحت طليعة المعادين لدول الثورة كما قررت الأنظمة ذلك لخروج الشعوب على الاستبداد.
التقى الهاربون من ظلم وبطش دول الاستبداد، في الثورة الايرانية باعتبارها آخر رسالات الأنبياء وسرعان ما تحولت الثورة الى أداة حادة في يد الدولة وبدأت تنحى منحى الاتحاد السوفياتي وكوبا في اعتماد العصا الغليظة ضدّ الايرانيين وكانت طرق قمع المعترضين في الشارع الايراني موحشة في الاسلوب والتعامل وفي تشويه صورة الحركة المطلبية وهذا ما وضع ايران في سياق الثورة التي أكلت أبناءها وهذا ما وضع الحكم في إيران على طريق النهاية الفاشلة لمشروع الثورة.
ان من استخدم أدوات القتل وسلاح التهوين والتخوين بوجه جائع اجتماعي أو سياسي ووقف بصلافة وصلابة ضدّ الحريات سيعاقبه التاريخ وهذه سنُتُه والتجربة كبيرة والشواهد كثيرة ومن اعتمد خيار التجاوب مع مطالب الشعوب ما خسر وأمدّ بعمر السلطة ولو أنّ حكام الدول المدمرة من سورية الى اليمن أحسنوا السياسة ولبوا مطالب الشعب لما أغرقوا البلاد والعباد وحولها الى أطلال يبكون عليها كما بكى أترابهم من قبل كالنساء على مُلك لا يحميه إلاّ عدل الرجال.