لم تمرّ سنة 2017 على نساء لبنان كسواها من الأعوام. فلطالما صرخت الجمعيات النسائية في برّية الحكومات المتعاقبة علّ المسؤولين الكبار يلتفتون إلى مطالبها المحقة. وكانت النتيجة دائماً، نضال يتكدّس دون أن يتمكن من خرق جدار التمييز المتجذّر في السياسة والاقتصاد والقانون والوظائف وحتّى بين جدران البيوت... ولكنّ نهاية السنة حملت بريقَ أمل في التقدّم نحو إحراز التغيير استعجل وتيرته، إذ شهدت اهتزازات أقلقت عرش الذكورية وهدّدت بسقوطه على محاور عدّة.
صحيح أنّ الكثير الكثير لم يتحقق بعد، ولكنّ جبهات كثيرة فتحت والقصف منها يتركّز لحسم معركة واحدة هي القضاء على شتّى أشكال التمييز ضدّ النساء. فلم تعد الساحةُ آمنةً لكل مَن أراد تفعيل تقاليد بالية لطالما استهدفت المرأة وكبّلتها، بل إنّ أجهزة كثيرة صارت له بالمرصاد.

عام ليس ككل الأعوام
بدأ العام 2017 على وقع البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري. فقبل انطواء العام 2016 بثلاثة أيام، أكّد الحريري أنّ «الحكومة ستعمل مع المجلس النيابي على إدراج كوتا نسائية في قانون الانتخابات المنوي إقرارُه. كما ستعمل على إنجاز خطة استراتيجية لشؤون المرأة تشمل إطلاقَ ورشة عمل لتنزيه القوانين، والقضاء على التمييز ضد المرأة، والتقدّم بمشاريع قوانين جديدة تحقيقاً للعدالة والمساواة».

شكّلت تعهّدات الحريري سابقةً، إذ لم يتطرّق بيان وزاري في لبنان من قبل لحقوق النساء، وترافق هذا الإعلان مع سابقة أخرى وهي تسمية وزير دولة لشؤون النساء. هكذا فتح العام 2017 على وعود رفيعة بتغيير جَذري في واقع النساء.

الكوتا طارت... ولكن!
علماً أنّ إرساء كوتا نسائية في قانون الانتخابات، هدفٌ أجهضه مجلس النواب عام 2017، حين تبنّى قانوناً انْتخابياً لم يلحظ حصة أدنى ثابتة للنساء، ولكنّ الحملات الإعلامية والإعلانية الحكومية وغير الحكومية التي رافقت إبصار القانون النور، ركّزت على أهمّية مشاركة النساء في عملية صنع القرار ترشيحاً وانتخاباً، وزرعت في المجتمع اللبناني وعياً لا سابقَ له في هذا الإطار.

وأنجزت وزارة الدولة لشؤون المرأة خطة عمل وطنية لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، كما رفعت توصية إلى مجلس الوزراء لتفعيل الكوتا النسائية من خلال التعيينات في المراكز القيادية، ما انعكس على زيادة عدد السيدات المعيّنات في وظائف السلك الدبلوماسي، والمؤسسات الأمنية، وهيئة الإشراف على الانتخابات، والمجلس الإقتصادي والاجتماعي، فبلغ نسبة 23 في المئة على الأقل في تعيينات المؤسسات العامة.


وبينما يكمن التحدّي الأساسي خلال العام الجديد في وصول اللبنانيات إلى المجلس النيابي والحكومة بأعداد كبيرة يبقى الرهان على الأحزاب في انتخابات 2018 لزيادة عدد المرشحات على اللوائح. كما سيلعب الوعيُ الشعبي دوراً أساساً من خلال تشجيع النساء على الترشّح والتصويت ومقاطعة اللوائح التي لم ترشّح سيّدات متشبّثةً بإطلالة ذكورية بحتة. وكلّ ذلك ستكشفه الأيام المقبلة...

كسر التابوهات والقوانين البالية
لاشكّ أنّ العام 2017 كان أكثر الأعوام تداولاً لقضايا النساء، في الإعلام والمجتمع والسياسة. مسائل كثيرة غضّ المجتمع النظر عن تطويرها، ولفّ كلّ مَن تعرّضت لها بثوب العار طُرحت بصوتٍ عال، على أمل منح الحقوق لصاحباتها.


بعد أنّ اغتصبت المادة 522 كلّ مَن تعرّضت لاعتداء جنسي آلاف المرات، وسمحت للمعتدي والمغتصب بالزواج من ضحيّته لستر عاره والإفلات من العقوبة، تحت ذريعة سترها هي، أزيلت مفاعيل هذه المادة من القانون باستثناء المادتين 505 و518.

وانتهى العام على وقع مطالبة منظّمة «أبعاد» برفع العقوبة على «الاغتصاب السفاحي» من 5 سنوات كحدّ أقصى إلى المؤبّد إذا كان المعتدي من أفراد عائلة الضحيّة. ويحمل العام الجديد كل الأمال بتحقيق هذا الهدف، كما تحقّق إلغاءُ معظم مفاعيل المادة 522.

وعودٌ بقوانين جديدة
تحمل القوانين اللبنانية تمييزاً بنصوصها، بينما تمسّك المشرّعون الذكور المسيطرون على المجلس النيابي منذ فجر استقلال لبنان، في عدم تشريع قوانين جديدة تحمي النساء. مثلاً، لم يبادر المجلس النيابي بعد إلى وضع قانون يحمي النساءَ من التحرّش في الأماكن العامة لا سيما في العمل، ويعاقب الفاعل. وتنتشر الاعتداءات الجنسيّة على النساء في لبنان بنسبة عالية جداً، حيث تؤكّد دراسة حديثة أجرتها منظمة «أبعاد» أنّ امرأةً من أصل 4 تعرّضت لأحد أشكال الاعتداء الجنسي.

ولكن، يُذكر أنّ العام 2017 حمل نقطة مضيئة إذ أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون لمعاقبة التحرّش الجنسي وأحاله الى مجلس النواب، علّه يُقرّ في العام الجديد ضوابط قانونية تفرض احترام النساء في الأماكن العامة وتدين التعرّض الكلامي والفعلي والعنفي المهين والمهدّد لهن.

مشاريع على طاولة 2018
إلى ذلك، ينصّ قانون الضمان على بنود عدّة تكرّس التمييز ضد النساء ومنها أنّ «الزوج العامل المضمون يفيد زوجته من تقديمات الضمان الاجتماعي باب المرض والأمومة من دون شروط، في حين أنّ الزوجة العاملة المضمونة لا تفيد زوجها إلّا في حال تجاوز الـ60 عاماً أو في حال كان مصاباً بعاهة».

بوادر المساواة في قانون الضمان ختمت العام 2017 إذ أقرّ مجلس الوزراء قبل أقل من أسبوعين على انسدال العام، المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الإستفادة من الضمان الإجتماعي، بالإضافة إلى إجازة الأبوّة المدفوعة. هذان البندان ينتظران إقرارَهما في مجلس النواب، ليصبحا نافذَين، على أمل أن يتمكّن الآباء عام 2018 من الحصول على إجازة لا تقل عن 3 أيام فيلازموا مولودَهم الجديد في أوّل أيام حياته.


بات بإمكانك الترشّح في قريتك
قبل العام 2017 كان القانون اللبناني يمنع النساء بعد الزواج من الترشّح في بلدتهنّ الأم للانتخابات البلدية، ويحتّم عليهنّ الترشح فقط في بلدة الزوج حيث يتمّ نقل نفوسهن بالزواج. هذا السقف أزيل في أيلول الماضي وسيكون بإمكانك خلال الانتحابات المقبلة الترشّح في بلدتك حيث كبرتِ وربيّتِ المعارف، علماً أنّ الانتخابات البلدية تحتاج إلى دعم العائلات.

كما يجنّب هذا القانون المرأة التي تبوّأت منصب رئيسة أو عضوة في مجلس بلدي، وتزوّجت بعدها ونقلت قيد نفوسها الى سجلّ زوجها، من أن تسقط عضويّتها حكماً، علماً أنّ هذا الظلم قد لحق بعدد من السيدات في السابق.

على قدم المساواة
سار لبنان في العام 2017 على أجندة 2030 لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة والتي تنصّ على تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في كافة أنحاء العالم. والهدف الوصول إلى جندرة ومساواة كاملة بين الرجل والمرأة وتغيير الثقافة الذكورية السائدة، لبناء مجتمع راقٍ وحضاري.