لقد خاب يقين من كان يتوقع أن السيّد سيرد الصاع فأخرس ألسنة السوء ودعاها إلى حماية البلد من فوضى الكلام
 

قبل خطاب التعليق على الإستقالة سبق الشعب الغضبان السيد حسن نصرالله في التعليق على الإستقالة العاجلة للرئيس سعد الحريري بطريقة هستيرية أفرغ فيها كل كره مدفون فيه للشخص والمملكة والطائفة والتيّار انسجامًا مع التربية اللبنانية المغذية للشعور المذهبي والتي تستدعي جمهورًا لا يعرف إلاّ السبّ والشتم والتهوين والتخوين لكل فرد لا يصفق معهم في حلقة الرقص على وطن في جوقة من جوقات الزجل اليومي لمحبوب هنا ومعشوق هناك. 
لقد إنقسم اللبنانيون كعادتهم بين مؤيد أعاد له الحريري بعضًا من معنوياته الضائعة في زحمة التنازلات الحريرية ورافض إستنكر على الحريري فك إرتباطه بحزب الله بناءً على مشروع سعودي غير واضح الرؤية حتى الآن و إن كان معروف الأهداف، وبين هذا وذاك إشتعل لبنان بحرائق كلامية لا تحرق أحدًا من المنشغلين في توسعة دائرة النيران بالقدر الذي تحرق فيه بقيّة دولة أدخلوها في جدلهم وجدالهم المميت بدفع البعض إلى تأكيد أو نفيّ ما أثاره الحريري في بيان الإستقالة المتأخرة.

إقرأ أيضًا: لبنان و (صُفين) جديدة
من نشرات الأخبار في شاشات الموت إلى البرامج السياسية المتوترة والموترة للبلاد والعباد إلى وسائل التواصل الإجتماعي التي يسيطر عليها جيش متفرغ لإطلاق صواريخ البصاق يُمنة ويسرة دون توقف وقد نشف ريقه الأسود ومازالت أفاعي سمومه تسعى للسع هنا ولسع هناك.
وحده كان هادىء الكلام ملتزمًا بأدب الخلاف تعبيرًا عن حاجة البلد للهدوء لا للضجيج بعد أن إستعرض الجميع عضلات الحرب وشنّف أسماعنا غيارى السياسة في لبنان من زبائن شهر آذار ممن يعتاشون على الحروب الكلامية إذ لا شيء يخسرونه بل ثمّة ما يربحوه في زحمة المعركة الكلامية ما بين فريقين تجمعهما السلطة وتفرقهما قرارات الخارج الذي ينتمون إليه بكل فخر وإعتزاز وتبجح بموالاة هذه الدولة أو تلك.
لقد خاب يقين من كان يتوقع أن السيّد سيرد الصاع فأخرس ألسنة السوء ودعاها إلى حماية البلد من فوضى الكلام بعد أن استفرغ الجميع ما في جوفه من سُم وكأنهم كانوا ينتظرون الفرصة لأكل بعضهم البعض بإسم الدفاع أو الهجوم على مجهول قادم من خلف الإستقالة الحريرية.

إقرأ أيضًا: بعد زيارة الحريري للسعودية ... لبنان في مهبّ رياح السموم الإقليمية
ما سمعناه من أتباع الإستقالة والردود عليها كاف ليعطي نشرة مفصلة عن حالة لبنان المزرية بفضل شعب لا يستحق أن يكون في وطن اسمه لبنان وكان من الأفضل له أن يكون بدوياً يهيم على وجهه في الصحراء بحثًا عن فريسة يسد فيها غضب جوع معدته وفراغ عقله ويداوي غريزة القتل المتملكة منه والتي جعلته صياد فرائس بشرية تشعره بفحولته كلما اصطاد إنسانًا لا يشاركه غريزة القتل التي حولته إلى وحش.
منذ أن تحكم في لبنان نسوان الفيسبوك وصغار النشرات والبرامج السياسية والجماهير الطائفية الأميّة الغفيرة إنتهى لبنان وإنتهى دوره الحضاري وسقطت الهوية اللبنانية الإستثنائية في العالم العربي وبات لبنان مجرد جورة حزبية في حوزة طائفية وما عاد يصلح كيّ يكون رسالة إنسانية وبتقديري أن اللبنانيين الذين ماتوا بعد أن رسموه على لوحة جدارية أبهرت الشرق والغرب قد تركوا أجداثهم وهربوا من روائح كريهة وصلت إلى أنوف قبورهم لتحوّل ما فيها من بخور إلى سموم نفايات تُزيد الموتى موتًا وهم في برازخ جنان لبنان.