يقلّب زعيمٌ سياسي صفحات المنطقة، من لبنان، الى سوريا، الى العراق، الى اليمن، الى فلسطين، الى الخليج، الى تركيا وصولاً الى إيران، ويصل الى خلاصة: «يبدو أنّ الأرض بدأت تميد بمَن وما عليها.. رمال المنطقة المتحرّكة بدأت بالتحرّك فعلاً، وأخشى أنها ستبتلع تاريخَ وجغرافيا كل هذا الشرق»
 

هذه الخلاصة السوداء التي انتهى اليها السياسي المذكور، مبنيّة على التطورات المتدحرِجة على مساحة المنطقة، والتي يبدو أنها تؤسس لانقلاب خطير يزرع فيها مجموعة من العبوات الناسفة لحدود الأوطان، تحوّلها الى كيانات طائفية ومذهبية متناحرة.

المشهدُ مرعبٌ، يقول هذا السياسي، «وقد بدأ الخطو الفعلي والسريع نحو الإنهيار، ليس الأمر مجرّد تخويف أو تهويل، بل هذه هي خريطة طريق المنطقة التي رسمتها وتنفّذها «لعبة الكبار». وبناءً على هذا المستجد فإنّ أكثر ما أخشاه هو أن تكون المنطقة على عتبة الدخول في وقت غير بعيد، في مرحلة ساخنة، وتبعاً لذلك، أنا أوافق الرئيس نبيه بري قلقَه من الجهود الجدّية لـ«تقسيم المقسم» في هذا الشرق، وخوفه على وحدة العراق وسوريا تحديداً، ومن أن تلفح الرياح الصفراء لبنان، وأنا مثل رئيس المجلس أرى أنّ العرب لا حول لهم ولا قوة أمام هذه اللعبة الخطيرة الجارية على أرضهم وفي مجتمعاتهم، قد تعطى لهم أسبابٌ تخفيفية والقول إنهم مضغوطون، أو مغلوبون على امرهم، فيما هم شركاء في صناعة البلاء الذي أصابهم ولا يملكون قدرة الشفاء أو الإفلات منه، ولا حتى قدرة الإعتراض الصوتي على ما قد يلحق بهم».

على أنّ الأسوأ من هذه الصورة العربية، والكلام للسياسي نفسه، «هي الصورة اللبنانية التي تظهِّر من خلال الأداء السياسي، وخصوصاً لمَن هم في موقع الحلّ والربط، وكأنّ لبنان في جزيرة معزولة عمّا يجري من حوله، وأولوياته محصورة فقط في بعض العناوين والتفاصيل السياسية والشعبوية، وتعكس بوضوح أنّ «لعبة الكبار» في الخارج، التي تلعب بمصير المنطقة كلها وتهدّده، وتستوجب أن يبادر لبنان، وبما تيسّر له، الى بناء جدران الحماية له، تقابلها في الداخل «لعبة صغار» تحوم في أجوائها كل الموبقات».

المعروف عن هذا السياسي، أنه من القلّة التي تطلّ على كثير من الأسرار وما يجري داخل الغرف المغلقة سواءٌ في السياسة ودهاليزها، أو في غيرها من «كومبينات» الصفقات والشراكات والسمسرات والعمولات والاتفاقات السرّية، وأرقامها المالية التي تذهب تحت غطاء «محاضرات العفّة السياسية والإصلاحية»، حصصاً نقدية مباشرة الى جيوب «المحظيين»، و«المحظوظين» و«المحسوبين»، ومَن يُعَدّون من ذوي القربى السياسية وغير السياسية، لذلك فإنه أمام ما سمّاها «لعبة الصغار يفكّر في أن يبادر الى خطوة غير مسبوقة في لبنان، كمثل عقد مؤتمر صحافي يصارح فيه الناس ويكشف كلّ المستور عن الطبقة المتحكّمة بالأمور، الذي يقول عنه إنه يخبّئ ما هو أعظم بكثير ممّا يظهر على حلبات الاشتباك الدائم بين القوى السياسية».

المسؤولية، في رأي السياسي المذكور، تقتضي مصارحة الناس بأنّ لبنان أمام خطرَين يتهدّدانه؛ الخطر الداخلي الذي يمثله أطراف «لعبة الصغار»، والخطر الخارجي المتمثّل بالعاصفة التي تتكوّن في فضاء المنطقة، ومن مصادر متعدّدة ومنها:

الأول، من القرار الدولي، الذي عبّر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوطين النازحين السوريين. وهذا معناه إشعال مبكر لفتيل الانفجار في لبنان على كل المستويات.

الثاني، من إسرائيل، التي تؤكّد يوميّاً عزمها على شنّ حرب على لبنان، وهي ما انفكّت تعدّ العدة لها وتقيم المناورات العسكرية المتتالية، ولعلّ إحدى العلامات الخطيرة هي نقل «الأمونيا» الى خارج حيفا وبعيداً من مرمى صواريخ «حزب الله».

الثالث، دخول المنطقة فعلياً في مرحلة التصدّع والتفكّك، والنذر الخطير يتجلّى في استفتاء الانفصال لإقليم كردستان عن العراق. هل لاحظ أحد حجم النشوة الإسرائيلية من هذا الانفصال؟

في تقييمه للحدث الكردستاني وارتدادته على المنطقة، يرسم السياسي الصورة التالية:

- إنفصال إقليم كردستان ما كان ليحصل لولا وجود تغطية قوية من قوى دولية كبرى.
- إرتدادات خطوة من هذا النوع، إن كُتب لها الاستقرار والثبات، قد لا تبقى محصورةً ضمن حدود الإقليم الكردي.

- الحالة الكردية في إربيل، يمكن تشبيهها اليوم، بصندوق «باندورا»، الذي تخرج منه كل شرور العالم، ما إن يقوم أحدهم بفتحه، كما تقول الأسطورة الإغريقية. بحيث إنّ استفتاء كردستان وضع الشرق الأوسط برمّته على فوهة بركان، قد ينفجر في أيّ لحظة، ويجرّ كافة الأطراف، إلى مواجهة مباشرة تستنزف المحور المنتصر في الميدانَين السوري والعراقي.

- العبوة صارت جاهزة للتفجير بعدما تمّ تركيب صاعقها، فالمشهد العام حالياً في الإقليم المتمرّد على العراق، هو هدوء ما قبل العاصفة؛ في محيط هذا الإقليم الصخب هو سيد الموقف، والعاصفة تتكوّن إن في التحرّكات المتدرّجة التي بدأت تتّخذها الحكومة العراقية المركزية، وأوّل غيثها إغلاق مطارَي إربيل والسليمانية، أو على مستوى التحرّكات الأكثر خطورة، الممتدة من شمال غرب إيران إلى جنوب شرق تركيا، والتي تتّخذ شكل استعدادات عسكرية وتحت مسمّيات متعددة، سواءٌ مناورات أو حشود.

والواضح من كل ذلك أنّ لغة حلّ الامور بالحوار ليست مجدية، والكل ذاهبون في طريق اللاعودة، فوقت الكلام انتهى، ليعلو صوت التصعيد. والشراكة واضحة هنا بين الحكومة العراقية وطهران وأنقرة.

- المثير للدهشة هو الموقف الغربي الفاتر من الاستفتاء الكردي، وحماسة بعض الأنظمة العربية لهذا الاستفتاء، وتحيط علامات الاستفهام بالموقف الأميركي من الاستفتاء، ذلك أنّ تحفّظ الولايات المتحدة على المغامرة الكردية، لا يبدو متطابقاً مع التحالف الوثيق الذي نسجته الإدارات الأميركية مع المكوّنات الكردية، سواءٌ في العراق أو سوريا.

ويُخشى أن تعتبر الولايات المتحدة خيار الانفصال، فرصةً لمقارعة خصومها في المنطقة ولاسيما الروس والإيرانيون، من خلال استحداث كيان كردي، شبيه بالذي استحدثته بريطانيا في فلسطين قبل عقود، وأخطر ما في الامر، هو أن ينظر صنّاع السياسات في واشنطن، إلى الاستفتاء الكردي كفرصة فرصة ثمينة لدفع العلاقات المتوترة مع الإيرانيين إلى نقطة المواجهة العسكرية، ولهذا المنحى ارتداداتُه على كل المنطقة بما فيها لبنان.

- الواضح أنّ الانفصال قد يؤدّي الى إعادة تحديد الكثير من الحسابات الجيوسياسية الإقليمية، وربما إعادة رسم الخرائط من جديد، ولاسيما خرائط التحالفات والتموضعات في الشرق الأوسط، فالأطراف المؤيّدة لهذا الاستفتاء – الانفصال الكردي، تتطلّع إلى دولة جديدة يرتفع فيها العلم الكردي إلى جانب أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية وغربية، لتشكّل جبهة متقدّمة لدفع التصعيد مع إيران إلى نقطة متقدّمة، وربما يمكن استخلاصها من الحديث قبل أشهر، عن ضرورة نقل المواجهة مع إيران إلى الداخل، وكذلك إشغال تركيا ولاسيما في المناطق الشمالية الغربية الملامسة للدولة الكردية الجديدة، والتي تحوي عنصر تفجير آخر، يتمثل في حزب «بيجاك» الكردي الانفصالي.

هنا يخلص السياسي الى القول: «هذه هي الصورة المخيفة التي نقع في داخلها، وقد سألنا عن عباقرة السياسة الداخلية، لتنبيههم، لكنهم لم يكونوا على السمع!