إعتذر الرئيس سعد الحريري، وارتاح ميشال عون وجبران باسيل من هذا الحمل الثقيل. أيّاً كان البديل فهو سمنٌ وعسلٌ على الرئيس والصّهر.

تكليف الحريري صفحة وطويت، رئيس الجمهوريّة تريّث في موعد استشارات التكليف، في انتظار مشاورات تسبقها. لم يلحظ أحدٌ أي نشاط للرئيس عون في هذا الإتجاه، فيما هاتف جبران، كما يُقال، اشتغل في هذا الإتجاه وذاك، بحثاً عن فدائي يحمل الراية بعد الحريري.

 

عون وجبران يريدان، إن قيض لهما الآن وفوراً، بديلاً للحريري، أيّ بديل حتى ولو كان من الوزن الخفيف. الحريري خرج من التكليف، لكنّه لم يخرج من اللعبة السياسيّة، قال إنّه لن يسمّي، فصعّب المهمّة على الطامحين المتسابقين على الجلوس في الصفّ الأمامي، وحَمل اللقب الغالي: «دولة الرئيس».


نادي المرشّحين فارغ من «فدائيّين» من الوزن الثقيل، تمّام سلام حاسم في رفضه، ومقولته الشّهيرة ما زالت سارية المفعول: «لا يشرّفني أن أرأس حكومة مع عون وجبران»، ونجيب ميقاتي أذكى من أن يُجرّ إلى محرقة، وترؤس حكومة لن تفعل شيئاً، سوى أنّها «تُعطي صك براءة لمن يستهدف الطائف والصيغة والوفاق الوطني والسلم الأهلي».


أمام هذا الخواء لا يبقى أمام عون وجبران سوى أن يملآ الفراغ بشخصية سنيّة «كيف ما كان»، على ما يُقال في المجالس السياسيّة. المهمّ هو أن تتشكّل حكومة كما يريدها العهد بمواصفات الرئيس والصّهر ومعاييرهما، التي رفض سعد الحريري أن يتجرّع كأسها المرّ.


واذا كان عون وجبران يعتبران أنّهما قد ربحا جولة انتزاع التكليف من سعد الحريري، فإنّ ربحهما غير أكيد في معركة إسناد التكليف إلى شخصيّة طيّعة في يدهما، وتفصّل الحكومة الجديدة على مقاس مواصفاتهما ومعاييرهما. فمثل هذه الشخصيّة مرفوضة سلفاً من سائر المكوّنات السياسيّة.

 

ليس مهمّاً بالنسبة لعون وجبران من يكون بديل الحريري، لكنّهما أمام مهمّة صعبة جداً، فالمعركة ليست فقط، معركة العثور على بديل، مع أنّ هذا البديل ما زال في علم الغيب، والبحث عنه في هذه الفترة يكاد يأخذ طابع «الشحادّة السياسيّة»، ويكاد فيه المنتشون بانكفاء الحريري، يدخلون إلى كلّ بيت سنّي ويستعطون: «بديل.. يا محسنين»؟! حتى أنّهم تواصلوا مع شخصيّات لا علم لأحد بها أو بوجودها، هي نفسها كشفت انّها تلقت اتصالات من الفريق الرئاسي للتربّع على العرش الحكومي. بل أنّ المعركة الحقيقيّة، هي الحكومة، صحيح أنّ الحاجة ملحّة إلى حكومة، ولكن، أي حكومة ستتشكّل وما هي مواصفاتها؟


ليس من بين الطامحين إلى حمل اللقب الحكومي، من يشكّل حتى الآن نقطة التقاء حوله من المكوّنات السياسية التي يُفترض أن تسمّيه في استشارات التكليف، وإن كانت أسماء محدودة يتقدّم التداول حولها في المجالس السياسيّة، مثل سمير الخطيب الذي يُقارب كشخصية سنيّة معتدلة، لا تستفز الحريري، ومقبولة سنيّاً، وعلى علاقة وثيقة مع السعوديّين، وملازمته للسفير السعودي وليد البخاري في اكثر من محطة داخلية خير شاهد على ذلك. فضلاً عن أنّه خاض تجربة في السابق، قرّبته إلى حافة التوافق عليه، قبل أن تطرأ ظروف آنذاك، حملته على الإعتذار من بيت الوسط.

 

يقابل ذلك، حديث يفيد بأنّ في العمق العوني والباسيلي همساً متجدّداً بجواد عدرا، يوازيه همسُ في زوايا سياسيّة ضيّقة، إنّما بجدّية أكبر، يبرز اسم السفير نوّاف سلام، بوصفه شخصيّة تشكّل نقطة تقاطع بين قوى دولية وازنة، ومن واشنطن إلى باريس فالرياض، وكذلك، بين «التيار الوطني الحر»، ووليد جنبلاط، و»القوّات اللبنانية» - علماً أنّ قرار «القوات» عدم المشاركة في أي حكومة مع العهد الحالي - ولا يمانع عليه تيار «المستقبل».


لكن السؤال يبقى هنا على موقف الثنائي حركة «أمل» و»حزب الله»، اللذين يبدو أنّهما قرّرا التزام الصّمت في هذه الفترة، ولن يكونا مُلزمين في كشف أوراقهما، ولا الدخول في بازار الأسماء ولعبة تسويق أو حرق أيّ منها، فحينما يحدّد رئيس الجمهوريّة موعد الإستشارات الملزمة، لكلّ حادث حديث. وإن كان كثيرون قد سعوا إلى الوقوف على موقف الرئيس نبيه بري، فخابوا ولم يوفّقوا في أن يأخذوا منه لا حقّاً ولا باطلاً، فالشعار الأساس في عين التينة اليوم: « كلّ أوان لا يستحي من أوانه».


مع صمت «حزب الله»، لا تأكيد حتى الآن لوجهة موقفه النهائي، سواء أكان سيسمّي شخصيّة بعينها، أو سيمتنع عن التسمية، وهو امر رسم علامة استفهام كبرى في الأجواء الهامسة باسم نوّاف سلام، حول موقفه منه، إن كان سيوافق عليه، إذا ساد مناخ داخلي عزّز ترشيحه لاستشارات التكليف. مع الإشارة هنا، إلى أنّ بعض هذا الهمس، تجاوز تحفّظات «حزب الله» على السفير سلام، وألبس موقف الحزب شيئاً من الليونة تجاه السفير، بحديثهم عن تواصل ومراسلات - يوحون أنّها جرت بين الطرفين - حملت توضيحات ونفياً لكلام خطير منسوب إليه.

 

واضح انّ معركة اختيار البديل لن تكون بالأمر السّهل، ولكن لو أمكن العثور على هذا البديل اليوم أو غداً او بعد شهر أو بعد شهرين أو اكثر، فذلك سيفتح المعركة الأصعب، أي معركة تأليف الحكومة، والتي يصحّ وصفها بـ»معركة الأسقف»، من بين هذه السقوف، يحضر السؤال التالي: هل أنّ ما لم يعطه ميشال عون وجبران باسيل لسعد الحريري، سيعطيانه لبديله؟


رئيس الجمهورية ومعه صهره، حدّدا سقفهما - الذي صار من الصعب عليهما أن ينزلا تحته - بحكومة وفق معاييرهما، التي تبدأ بمقولة حقوق المسيحيّين وحصر تسمية الوزراء المسيحيين برئيس الجمهورية وفريقه، وتنتهي عند حصول الفريق الرئاسي على وزارات محدّدة، وتُتوّج بالثلث المعطّل في الحكومة.


وفي المقابل، أيّاً كان البديل الذي سيُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، فسيكون ملزماً بالسّقف الذي حدّده سعد الحريري في مواجهة معايير عون وجبران، سواء ما يتعلّق برفض الثلث المعطّل أو ما يتعلق بما اعتبره الحريري تجاوزاً للطائف والدستور والمسّ بصلاحيات رئاسة الحكومة، وتجاوزها لناحية تقييده بشروط تنزع منه حقّ تسمية وزراء مسيحيين.

 

يبقى التأكيد أخيراً، أنّه إن قيض لتكليف شخصية سنيّة بديلة للحريري أن تعبر سريعاً ولو متأخّرة، ففي كلا الحالتين تصبح كرة التعجيل في تأليف الحكومة في يد عون وجبران، بين أن يبقيا متمسّكين بالمواصفات والمعايير التي حدّداها في مواجهة الحريري، وبين أن ينزلا عن شجرتهما، وخصوصاً أنّ الحريري لم يكن، حينما كان رئيساً مكلّفاً، وحده في جبهة رفض تشكيل حكومة عونية، بثلث معطّل يُخضعها لمشيئة الرئيس وصهره، ويتحكّمان بقرارها ويديرانها في الإتجاه الذي يريدانه. ويُشار هنا إلى موقف الرئيس نبيه بري الذي كان صارماً برفضه الثلث المعطّل لأيّ كان. وقد سبق له ان اطلق مبادرة أقرب ما تكون إلى «سلّة التأليف»، منطلقها المبادرة الفرنسية، واساسها التوازن والتفاهم على حكومة اختصاصيين من غير الحزبيّين، بعيداً عن النكايات والحسابات والحرتقات والمزايدات، ولا ثلث معطلاً فيها لأيّ من المكوّنات المشاركة. ولعلّها مبادرة تصلح لكلّ الأوقات، لا تتوخى مصلحة شخص بعينه، إنّما هي تتلمّس طريق الخلاص لكلّ الشعب اللبناني.


ولكن، ماذا لو بقي الإصرار على تلك المواصفات والمعايير؟
ثمة من يقول، إنّ من الصعب على عون وجبران أن يتراجعا عنها، ذلك أنّهما إن تراجعا، فسيأتي من يحرجهما ويسألهما: عن أي معايير وحقوق للمسيحيين كنتم تتحدثون؟ .. فهل سيتراجعان فعلاً؟ .. ثمة شكّ في ذلك؟!