ثمة تحاليل نفسية لطائفة مصرّة على الموت منذ دخولها الأوّل في الصراع المتنوع داخل شبكات المصالح السياسية
 

تعيش المأساة في الوجدان الشيعي دون معرفة  مسبقة عن مسببها وعن أسبابها طالما أنها تحفر عميقاً في تربة حياته التي ورثها مجبولة بالحزن وموشحة بالدم  لذا كان الأسود دونه الألوان الأخرى دثار المُتشيعة وراية الطائفة التي اسودت أكثر منذ دخولها ميدان الحروب بواسطة أحزاب ألبسوها سواداً فوق سواد بالنسبة للشيعة اللبنانيين الذين كوتهم حروب الأحزاب المتنقلة فيها والتي جعلت منها مقابر مفتوحة مهما ملئت واكتظت في حفرها التوابيت .
يعتقد البعض أن مناسبة الحسين سلام الله عليه ومأساة كربلاء سبباً رئيساً لهذا الكم الهائل من الحزن في وجوه الشيعة وأن التاريخ بما حمل من بؤس في تجربة بيت النبوة خلّد ظاهرة النواح والتباكي وترك زٌخرف الدنيا لأهلها بارتداء ما يدل على الموت من لبس أسود من الليل .

إقرأ أيضا : إشكال في السلطانية بين مناصري حركة أمل وحزب الله بسبب الهريسة
طبعاً ثمة تحاليل نفسية لطائفة مصرّة على الموت منذ دخولها الأوّل في الصراع المتنوع داخل شبكات المصالح السياسية والتي انتهجتها أحزاب متعددة وبعضها لا علاقة له بالدين أو بالمذهب بالقدر الذي كان له فرصة قيادة طائفة و إن من موقع معاد لهويتها الخاصة تماماً كما كان حال اليسار اللبناني الذي بنى قوته وغذّى دوره النضالي من خلال الطائفة الشيعية الحاضرة والجاهزة كي تكون دائماً مركباً لكل راكب ثوري يعتمد مبدأ الإصلاح والتغيير بقوّة السيف الذي سُل في الجمل وانكسر في صفين وصدأ بعد كربلاء .
لا يكترث الشيوعيون لرغبة الطائفة الداخلية في نزعتها الدائمة للمذهبية طالما أنها توفر العناصر اللازمة لمقاومة العدو الطبقي لذا شغلوها منذ السبعينيّات وأدخلوها الحرب الأهلية هم و آخرون من الأحزاب اللبنانية والفلسطينية وهذا ما أتاح للطائفة نوماً دائماً في المقابر ووفرّ لكل بيت شيعي ثوباً أسود ترتديه أم الشهيد طيلة بكائها وتورثه لابنتها بعد مماتها كونه شرف الشهادة الوطنية .
بعد الملحدين في الدين أكمل الطائفيون المشهد الأسود وجاء بعهدهم المتدينون والمؤمنون برسالة السواد الأعظم وهذا ما وضع الشيعة في السياق الطبيعي لظاهرتهم التاريخية في العودة الميمونة إلى مأساتهم الكبرى كمحرومين ومظلومين ومستضعفين طوّاقين إلى الحزن المرسل لهم هدية من السماء .

إقرأ أيضا : بالتفاصيل - اشتباك بين حزب الله وحركة أمل في بلدة البيسارية
في الجنوب كما في سائر المناطق الشيعية غلب الأسود ولم يعد لباساً لإمرأة أو لرجل وطفل ولا مجرد شاهد على جسد شهيد فقد غطوا الأرض والسماء بالسواد بحيث أنك تحسب القرية أو المدينة إمرأة منقبة تُرى ولا ترى وقد لفّها حزنان حزن الماضي وحزن الحاضر رغم ما في الحاضر من نعم لا تُعدّ ولا تحصى .
يعترف الشيعي بسواد مصيبته وتراكم مأساته  وهذا ما استبقاه حيّاً داخل حيّز من الموت التاريخي وهذا ما ساعده على الإستمرار كقوّة موت منحازة للآخرة على حساب الدنيا ومن هنا كان الأسود لونها المفضل وشعارها الواقف في عين كل مؤمن ومؤمنة لتبصر به مدى عميقاً من المجهول .
في المناسبة العاشورائية كثير من الألوان وما سيطرت الأسود إلاّ دلالة على ما في القلب وهذا ما يطرح العديد من الاشكال على إحيائية عظيمة لذكرى إستثنائية تفرض علينا الإتيّان إليها من حيث هي تجربة مبدعة قادرة على خلق ما يليق بنا كأتباع حقيقيين لمدرسة النبوة ومن بوابة الإمام علي عليه السلام ولكن بترك ما في أيدينا من معوقات مُضرة بنا كطائفة مشرقة بالعلم  لا مسوّدة بقماش من الجهل .