ما يحصل على جبهتَي الداخل والخارج ويتعلّق بلبنان مباشرةً حيناً ومداورةً أحياناً لا يمكن عزله عمّا يدور سياسياً وديبلوماسياً على ساحة المنطقة الحافلة بالتطوّرات العسكرية، ويُفترض أن يُبلورَ في وقتٍ قد لا يكون بعيداً تسوياتٍ وحلولاً للأزمات الإقليمية من سوريا إلى العراق فالبحرين واليمن.
 

البعضُ قرأ في التصعيد السعودي ضدّ «حزب الله» وإيران على لسان وزير الخارجية عادل الجبير وعبر تغريدات وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، تصعيداً ذا وجهَين، الأوّل ضدّ «حزب الله» وقوى سياسية أخرى بعضُها غير حليفة له في لبنان، والثاني ضدّ إيران ووجودِها في المنطقة.

واستدلّ هذا البعض الى ذلك من التناقض الواضح بين مواقف الحريري والسبهان، فالأوّل قال: «هناك خلافات بيننا وبين «حزب الله» لا يمكن إصلاحُها، ولكنّنا متّفقون معه على عدة أمور، من بينها الحفاظ على الاستقرار والأمن في لبنان». فيما الثاني وصَف الحزب بأنّه «حزب الشيطان»، داعياً اللبنانبين إلى «الاختيار، معه أو ضده». ومن ثمّ دعا العالمَ الى التعاملِ معه ومع إيران «مثلما تَعاملَ مع «داعش».

وفيما لم يتّضِح بعد سببُ وأبعادُ هذا التناقض بين مواقف الحريري والسبهان، جاء إعلان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم استعدادَه لـ«حوار ثنائيّ» مع الحريري وردُّ الأخير عليه بأنّه «يقوم بواجباته كرئيسٍ للحكومة اللبنانية، وعندما تنضَج الأمور سنرى»، ليؤكّد أنّ معادلة ربطِ النزاع الإيجابية بين الجانبين مستمرّة، وبالتالي إنّ الحكومة الحريرية مستمرّة. خلافاً لِما توَقّعه البعض قبل أيام من احتمال استقالتِها باستقالة رئيسها طوعاً أو عمداً.

ويقول متابعون إنّ كلّ الخطاب التصعيدي الداخلي، وبغَضِّ النظر عن الموقف السعودي، لا علاقة له بأصلِ المقاربة القائمة، وإنّ التفاهمَ السائد بين الحريري والحزب منذ تأليفِ الحكومة صامدٌ، بدليل إشارات قيادةِ الحزب المتكرّرة إلى دور الحريري في تغطية معركة تحرير جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع من مسلّحي «داعش» و«النصرة»، وكذلك تأكيد الحريري في المقابل، إثر زيارته الرئيس تمّام سلام، أنّه على رغم جبلِ الخلافات العالي بينه وبين الحزب ما زال متّفقاً معه على «الحفاظ على الاستقرار والأمن في لبنان».

وإذ يؤكّد بعض السياسيين أنّ «حزب الله» «يقيّم إيجاباً مواقفَ الحريري وأداءَه في هذه المرحلة، فإنّهم يرون أن لا مصلحة لرئيس الحكومة في الذهاب الى خطابٍ سياسي تصعيدي في هذه المرحلة، وربّما في المراحل اللاحقة، بل إنّ مصلحته تكمن في الحفاظ على الاستقرار».

ويقول هؤلاء «إنّ دعوة «حزب الله» إلى حوار ثنائي مع الحريري ليست موقفاً جوهرياً في ظلّ توقّفِ الحوار في عين التينة منذ بضعة أشهر، وإنّما تُضفي إيجابيةً على مناخ العلاقة بين الجانبَين، ولكن منذ أن أصبَحت الحكومة المساحةَ المشتركة بينهما، فإنّ كلّ الموجبات الأخرى على ضفاف الشراكة لم تعُد مهمّة».

ولذلك، لا تبدو واردةً معاودةُ الحوار في عين التينة بين «الحزب» و«المستقبل». ويَعتقد كثيرون أنّ الحريري اتّخَذ قراراً بالاستمرار في تفاهماته مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله»، وأنّ تغطيتَه معركة تحريرِ الجرود «لم تأتِ من فراغ وإنّما من قراءةٍ متأنّية أجراها للبيئة التي ينتمي إليها وخرجَ منها باستنتاج مفادُه أنّ هذه البيئة لم تعد تقبلُ كلّ ما يُطرح عليها وباتت ترى أنّ هناك حقائقَ جديدة ترتسم على أرض الواقع المحلي والإقليمي والدولي ينبغي أخذُها في الاعتبار والتصرّف على أساسها لملاقاة المستقبل، وبدأ مزاجُ هذه البيئة، إلى البيئات الأُخرى، يُحبّذ إبرامَ التسويات والتوافقات بين الأفرقاء الآخرين وانغماسَ الجميع في ورشةٍ لدفعِ البلاد إلى مزيد من الاستقرار والهدوء والتخلّصِ من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية».

ويقال إنّ الحريري وآخرين، وبعدما أصبَحت الانتخابات الفرعية في كسروان وطرابلس في حكمِ الملغاة لاعتبارات متعدّدة، قد لا يرون ضيراً في تأجيل الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار 2018 إلى فترةٍ إضافية إذا تَطلّبَ الأمر تأمينَ فترةٍ زمنية إضافية لترسيخِ مزاج التوافق لدى كلّ البيئات اللبنانية، لأنّ تطوّرَ الأوضاعِ والأزمات في المنطقة يؤشّر إلى أنّها بدأت تدخل آفاقَ التسويات.