فرضت معركة جرود عرسال التي قرر حزب الله القيام بها جملة معطيات على الساحة المحلية لا بد من التوقف عندها والتطرق إليها بعدما كثرت التحليلات وانتشرت المواقف بين مؤيد ومعارض كل حسب خلفياته السياسية أو العقائدية.
لا يخفى على أحد حجم التسويق الإعلامي الذي ساقه حزب الله قبل بدء العمليات العسكرية وبعده، ولم تهدأ الماكينة الإعلامية للحزب حتى الساعة في توفير الغطاء الوطني والشعبي وربما الرسمي لهذه العمليات، وأياً تكن وتيرة الضخّ الإعلامي الذي يعتمده الحزب فهو لن يؤثر على حقيقة أنّه في سوريا يقاتل السوريين دفاعاً عن نظام بشار الأسد والأجندة الإيرانية، وليس دفاعاً عن لبنان ومصالحه وأهله.

إقرأ أيضًا: ربما تكون عملية حزب الله إيجابية في جرود عرسال !
وكذلك الحال في معركته الحالية التي تأتي في سياق ترتيبات سياسية مرتقبة للأزمة السورية ولا يخفى على أحد قدرة حزب الله على استخدام شمّاعة الإرهاب لتعليق ارتباطاته وارتكاباته عليها والتغريد خارج سرب القرار الرسمي اللبناني في تبعية واضحة مكشوفة للمشروع الإيراني الذي بدأ يفقد أوراقه في سوريا، فكان من الطبيعي بنظر الحزب وأصحاب القرار الإيراني تأكيد حضورهم من خلال معركة جرود عرسال، المعركة اللبنانية بالعنوان الإيرانية والسورية بتداعياتها وخواتيمها.
ولئن استطاع حزب الله في حربه الأخيرة في جرود عرسال الحصول على تأييد الرأي العام اللبناني، إلا أن الحقيقة الراسخة أن اللبنانيين توافقوا جميعا على النأي بالنفس عن النكبة السورية ولم يتوافقوا على ذهابه للقتال ضدّ الشعب السوري، مثلما لم يتوافقوا على أدائه الذي أضرّ بمصالح اللبنانيين في دول الخليج العربي، مثلما أضرّ أيضا بتلك الدول وبأمنها، وهي التي وقفت دائماً وأبداً إلى جانب وطننا في أحلك الظروف وأقساها.

إقرأ أيضًا: معارك جرود عرسال تحقق شبه إجماع وطني فما السبب؟
ولا يحتاج اللبنانيون إلى شهادات باعتدالهم ورحابتهم ووسطيتهم ورفضهم للإرهاب والتكفير والتطرّف، وهم بالتأكيد ليسوا في حاجة للذهاب إلى القتال في سوريا أو في العراق أو في اليمن، أو إلى التدخّل في البحرين والكويت والسعودية وغيرها، من أجل تأكيد ذلك. عدا عن أنهم لا يجدون أحداً، مؤهّلاً لحمايتهم وحماية حدودهم واستقرارهم، غير الجيش والقوى والأجهزة الأمنية الشرعيّة وتلك هي الحقيقة الراسخة أنّ الجيش اللبناني وحده القادر على حماية لبنان واللبنانيين وصون الحدود ودرء مخاطر الجماعات الإرهابية، وهو في ذلك يحظى بإجماع لا يتوفّر شيء منه لـحزب الله وبرنامجه الذي يمتد أولًا وآخرًا  إلى خارج حدود لبنان وهو المتصل دائما برغبة السياسات الإيرانية في المنطقة.