ليس سهلاً الحُكم على الطريقة التي سيقترع بها الناخب اللبناني ضمن نطاق قانون النسبيّة مع الـ15 دائرة والصوت التفضيلي. قد تكتشف الجهات التي خططت لإمكانية أن تتفاعل النسبية ضمن مصالحها الانتخابية أنها أخطأت في حساباتها الى حدٍّ غير قليل. فالنسبية وحتى المجتزَأة، تظلّ تشكل، في نظر خبراء، وصفةً سريعةً لجعل نتائح الانتخابات مجهولةً أو أقلّه ليست مضمونةً وولّادة مفاجآت
 

وعلى مساحة المفاجآت المحتمَلة في انتخابات أيار المقبل، توجد قوى عدة من خارج التقليد السياسي المعروف، قد تشكل «صدمة القانون الانتخابي الجديد». وميزة قوّة التوقع في شأنها تنطلق من أنها قوى لم تختبر قبلاً في أيّ انتخابات، والمرجح أن تطرأ على سلوكها السياسي في الانتخابات المرتقبة سمةُ الثقة بالنفس لمجرد أنّ هذه الانتخابات، تُجرى للمرة الأولى منذ ستين عاماً على أساس النسبية.

من بين هذه القوى التي لا تزال، بقرار ذاتي، تمارس التعبير الخافت سياسياً عن نفسها، توجد قوّة يُطلَق عليها إصطلاحاً «المعارضة العونية»، أو «المعارضات العونية»، وهذان مصطلحان لا يزال هناك جدلٌ حولهما، حيث ينقسم عارفو رموز هذه المجموعة بين مَن يقول إنهم موحّدون، في مقابل رأي آخر يقول إنهم مشتّتون ولا تجمع بينهم إلّا مناصبة باسيل العداء الشديد، واعتباره ـ ودائماً من وجهة نظرهم - «مغتصِباً» لرئاسة التيار، وانه يمثل «جيلَ الوصولية» فيه، في مقابل «جيل النضال» الذي ينتمون اليه وأصبح الآن خارج الجسم الرسمي للتيار، على رغم تمسّك هذا الجيل بالبقاء داخل عقيدته العونية وولائه لرمزية عون.

ثمّة تسميات عدة للمعارضة العونية، البعض يسمّيها «معارضو التيار من داخل رحمه» وبعض آخر يسمّيها «المعارضون العونيون لباسيل»، وثالث يسمّيها تيار «مع عون ولكن ضد باسيل»، ورابع يسمّيها «تيار أبو نعيم»، وهو شقيق الرئيس ميشال عون المتوفي، والذي كانت له أيام كفاح التيار في لبنان في زمن منفى عون، رمزية نضالية جامعة بين صفوف العونيين.

وفي المعلومات المتسرّبة من عارفي هذه المجموعة، تظهر مجموعة من المعطيات الأساسية يظل أبرزها أنه على عكس ما يعتقده غير وسط سياسي عن أنّ «المعارضة العونية» التي خرجت من الجسد التنظيمي للتيار احتجاجاً على «تضخّم سيطرة» باسيل داخله من دون مراعاة - بحسب رأيهم - للعملية الديموقراطية داخل التيار، فإنّ هذه المجموعة متآلفة الى حدٍّ غير قليل، حيث اعتاد رموزُها دورياً على التواصل واللقاء بعيداً من الضوء، والتحضير للإعلان عن أنفسهم «قوة سياسية عونية ضد باسيل» في الوقت المناسب.

ومن خلال ما يتسرّب عن أبرز نشطاء هذه المجموعة التي تضمّ نعيم عون نجل «أبو نعيم»، وزياد عبس، وأنطوان نصرالله وآخرين من قياديين سابقين في التيار، فإنّ هذه المجموعة حرصت منذ البداية على إيلاء اهمية قصوى لتوقيت إعلانها عن نفسها سياسياً، ولتسليط الضوء على وجودها كقوة منظّمة ومن ثم كإطار عوني في مواجهة حالة باسيل العونية.

وانسجاماً مع هذا النمط في رؤيتها لسبل شقّ طريقها السياسي، اعتمدت مجموعة المعارضة العونية، منذ فترة غير قصيرة، منهجاً يشبه «حرب الأنصار» في عملها السياسي، حيث العمل لتجميع الذات يجري في الظل بغية حرمان الخصم من معرفة بنيتها التنظيمية ومكامن قوّتها داخل التيار وفي الساحة المسيحية.

وهذا الأسلوب يشكل، من وجهة نظر الرموز الأساسيّين في المعارضة العونية، أفضل وسيلة لحماية حالتهم في هذه المرحلة التي لا تزال فيها جنينيّة وطريّة العود، ويعوزها امتلاك التحالفات السياسية التي تؤمّن لها غطاءَ الحماية، في مقابل أنّ باسيل يملك كل هذه الوسائل، إضافة الى دعم عون له في نزاعه ضد خصومه في التيار.

ولكنّ الخبر الجديد في مشروع «المعارضة العونية» يتمثل في أنّ رموزها بدأوا يقتربون من لحظة الخروج من «مرحلة العمل تحت الارض»، ليباشروا «مرحلة العمل العلني وإعلان أنفسهم قوة سياسية عونية في مقابل الحالة الباسيلية».

وفي المعلومات المتسرّبة عن هذا الأمر، أنّ هناك قراراً متّخذاً داخل هذه المجموعة منذ فترة غير قصيرة، يعتبر أنّ مناسبة الانتخابات النيابية المقبلة ستشكل اللحظة الموضوعية والمناسِبة للإعلان عن نفسها بيئة سياسية علنية، وذلك عبر خوضها هذه الانتخابات بمسماها الواضح كمعارضة عونية
ضمن لوائح ائتلافية مكوّنة من معارضات مدنية وسياسية، وهدفها من ذلك تحقيق ثلاثة أهداف أساسية:

أ- تظهير الحجم الحقيقي للمعارضة العونية ضد باسيل، سواءٌ داخل التيار العوني أو داخل القاعدة الشعبية المسيحية العونية الواسعة.

ب- إعتبار الانتخابات مناسبةً لتظهير خطابها السياسي الإصلاحي داخل التيار، وايضاً الموجّه الى القاعدة الشعبية العونية.

ج ـ لن تبادر مجموعة المعارضة العونية خلال خوض الانتخابات النيابية، الى الإعلان عن نفسها «إطاراً سياسياً عونياً»، بل ستخوضها بصفتها بيئاتٍ تجسّد الشكل الاول من بنيتها السياسية كحراك يعبّر عن المعارضة العونية لباسيل، لتقوم بعد انتهاء الانتخابات، وبناءً على الحجم الشعبي الذي ستُظهره لنفسها، الى الاعلان عن «التيار العوني الجديد» البديل للتيار الذي يقوده باسيل.

وتُعتبر أجندة عمل «المعارضة العونية»، الدائرة الأولى في بيروت، دائرة «أم المعارك الانتخابية» التي ستخوضها، حيث إنّ مفاد الرسالة المنوي توجيهها الى باسيل و«القوات اللبنانية» على حدّ سواء، هو «أنّ الأشرفية لنا وليست لكم». وفي المناسبة لا تتّفق المعارضة العونية مع مقولة إنّ «تفاهم معراب» يخدم وحدة لمّ الشمل السياسي المسيحي، بل تعتبره «إتفاقاً مصلحياً وبرغماتياً» وغير قابل للحياة.

وهي تستفيد في التحضير لخوض معركة دائرة بيروت الأولى من معطيات موضوعية عدة، أهمها وجود شخصية مالية تملك مؤسسات للتقديمات الخدماتية فيها، وتتقاطع مع العونيين المعارضين حول هدف ضرورة رسم وجه غير «قواتي» وغير «باسيلي» للأشرفية.

وتستطيع المعارضة العونية بحسب إحصاءات لديها غير معلنة البدء بمعركة الدائرة الاولى من 7 الى 8 آلاف صوت، وهؤلاء هم عدد الناخبين الذين يتلقّون خدماتٍ معيشيّة مختلفة الوجوه من الشخصية المالية المُشار اليها سابقاً.

كذلك تعتزم المراكمة على هذه في اتجاه حصد مزيد من الاصوات من خلال التحالف مع الحراك المدني والإفادة من رموز عونية في الأشرفية لديها علاقات وصلات يومية مع أهاليها ومع نبضها السياسي التاريخي.

وإذا كانت دائرة البترون ـ بشري ـ الكورة ـ زغرتا، هي دائرة «ام المعارك» لرسم هوية فخامة رئيس الجمهورية القادم، فإنّ انتخابات الدائرة الأولى في بيروت هي دائرة «أم المعارك» لرسم مستقبل موقع باسيل في السباق مع خصومه العونيين لتأكيد حالته داخل التيار البرتقالي من عدمه.