منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، تبلور إعتقادٌ قوي داخل الكواليس السياسية العميقة تعمّد أصحابه عدم الإعلان عنه، يفيد أنّ العقدة الخارجية هي المسؤولة أساساً عن تعثّر التأليف الحكومي، في حين أنّ العقد الداخلية أصبحت أصعب نظراً لإستناد بعضها على «الفيتو» الخارجي المتمثل تحديداً، بعدم الرغبة الدولية، وخصوصاً الأميركية، بالتسليم بنتائج انتخابات تعطي «حزب الله» إمتيازاً داخل عملية إنتاج السلطة الحكومية الجديدة في لبنان.
 

لقد حاول الرئيس ميشال عون مرات عدة لفت نظر السفيرة الاميركية في لبنان، الى انّ قراءة بلدها لنتائج الانتخابات في لبنان بصفتها ستشكل رافعة سياسية لـ«حزب الله» داخل الحكومة العتيدة، هو أمر ليس له مستند من الصدقية على ارض الواقع السياسي اللبناني المعاش. وينقل عن عون قوله لشخصية أميركية: كيف يمكن الإقتناع بأنّ 3 وزراء لـ«حزب الله» سيسيطرون على حكومة مؤلّفة من 30 وزيراً؟».


وتكشف معلومات في هذا المجال أنّ بريطانيا كانت أوّل جهة لفتت بيروت، وذلك بعد أيام قليلة من صدور نتائج الانتخابات النيابية، الى أنّ على الخارجية اللبنانية بذل جهود مكثّفة في واشنطن لإقناع سلطة القرار السياسي الأميركي بأن ليس صحيحاً أنّ نتائج الانتخابات النيابية في لبنان ستسفر عن جعل «حزب الله» يسيطر على قرار السلطة التنفيذية.


وحتى نهاية الاسبوع الماضي كان الاعتقاد السائد و«الصامت» لدى مرجعيات قرار التأليف، هو أنّ العقدة الخارجية مستمرة، وأنّ علاجها الوحيد هو مزيد من الانتظار، ريثما يظهر جديد دولي وإقليمي يبدّدها، ما يسمح لعجلة التأليف بالانطلاق. وبالفعل فإنه مع بداية هذا الاسبوع الذي بدأت تتّضح خلاله بعض نتائج قمّة هلسنكي، ساد جوٌّ من التفاؤل الحذِر في بيروت حول إمكانية حدوث انفراجات في عملية تأليف الحكومة.


وحتى هذه اللحظة لا تملك المراجع المعنيّة بتشكيل الحكومة، معطيات كاملة وملموسة عن ماهيّة التأثيرات الإيجابية لنتائج قمّة ترامب ـ بوتين على الوضع في لبنان، ولكن بدا واضحاً أنّ هناك ربطاً لا يزال يحتاج للتأكّد من صحته، بين تسارع إيقاعات ترجمة التفاهم الاميركي ـ الروسي في جنوب سوريا، وبين أن تكون واشنطن إطمأنّت الى أنّ الوضع في لبنان سيسير تحت مظلّة تفاهمها هذا مع موسكو.


وضمن هذا السياق، كانت برزت للمرة الأولى مع بدايات هذا الاسبوع إشارات دولية عدة وُصِفت بأنها «مشجّعة» ورأت فيها مراجع سياسية متابعة لـ«دقائق العقدة الخارجية»، ما يعكس بداية إهتمام دولي لم يكن موجوداً، هدفه حضّ القوى السياسية اللبنانية على التسريع في تأليف الحكومة العتيدة وتقديم تضحيات لتسهيل عجلة تقدّمها.

 

وكان أبرز هذه الإشارات ما كشفته مراجع سياسية لـ «الجمهورية «عن بدء تحرّك فرنسي على هذا الصعيد هدفه لفت نظر المستوى السياسي المقرّر في لبنان الى أنّ فترة السماح التي اعطاها مانحو مؤتمر «سيدر» للبنان لكي يرتّب بيته الداخلي ليبدأ متابعة تطبيق توصيات حصوله على القروض المقدّرة بـ11 مليار دولار، قد بدأت تنفد، وانّ المطلوب إنجاز تأليف حكومة تتابع ملفّ تطبيق قرارات «سيدر»، وذلك في خلال فترة لا تتجاوز الخمسة الى ثمانية اسابيع.


وفي معلومات ذات صلة بهذا المناخ الموحي بتبدّل الاتّجاه الدولي لدعم تسريع تأليف الحكومة، سرّبت مصادر قريبة من بعبدا أنّ الرئيس ميشال عون، قد يكون على مسافة قريبة من بدء إطلاق صدمة ايجابية هدفها كسر «شلل التأليف» السائد حالياً، وذلك بغض النظر عن السؤال المطروح عن مدى صدقيّة المعطيات التي تتحدث عن بدء تفتّت «بحصة» العقدة الخارجية من عدمها، حيث «الانتظار» لم يعد خياراً مقبولاً لدى العهد.. وتورد هذه المصادر نوعين من الصدمات الإيجابية المتوقع أن يطلقها عون في قابل الايام، وذلك في حال أيقن انّ «تأليف الحكومة» مستمر، سواءٌ بسبب العقدة الخارجية أو الداخلية أو الاثنين معاً:


ـ الصدمة الاولى تقع داخل إحتمال أن يوجّه عون دعوة الى بري والحريري الى لقاء رئاسي ثلاثي في بعبدا، تحت عنوان ضرورة تحمّل الرؤساء الثلاثة مسؤوليتهم الوطنية تجاه إنهاء أزمة شلل التأليف الحكومي التي باتت تهدّد البلد بانعكاسات سلبية وخطرة.


ـ الصدمة الثانية تقع داخل احتمال أن يبادر عون الى نوع من التخلّي عن حصته الوزارية، وذلك ضمن سعيه لإعطاء «المثل والقدوة» في «التضحية» لكي تحذو القوى السياسية الأخرى المسؤولة عن العقد الداخلية حذوه.