الأمور تتطور سلبا بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري
 

عادت الأجواء السلبية لتسيطر على المشهد السياسي  بين القوى اللبنانية بعد جرعات الإيجابية الأخيرة التي تحققت بفضل قانون النائب جورج عدوان.
فبظل التصريحات عالية النبرة من قبل الوزير جبران باسيل من البقاع إن لجهة إعادة إستيعاب النسبية كطرح للتيار أو لجهة الحديث عن التيار الشيعي الثالث والذي فسره البعض على أنه تحرش بالرئيس نبيه بري ونقل الهجوم إلى ملعبه، جاء مؤتمر الأخير  من عين التينة ليطلق من خلاله عدة تصريحات وصفت بالنارية وتوقع مراقبون بأنها ستعيد الأمور إلى المربع الأول.

إقرأ أيضا : هذا هو عدد النواب المسيحيين بالصوت المسيحي وفق القانون الجديد

الدستور بين عون وبري:

قال الرئيس بري في المؤتمر أن مدة الشهر التي أجلها الرئيس ميشال عون بحكم إستخدامه لصلاحياته الدستورية وفق المادة 59 هي دين للمجلس يستطيع أن يعوضها لاحقا وينعقد.
وإستشهد بري بتفسيرات دستورية فرنسية من الجمهورية الثالثة كون الدستور اللبناني بالأصل صناعة قانونية فرنسية إبان قيام دولة لبنان الكبير ولاحقا الجمهورية اللبنانية بمراحلها.
ورجع إلى واقعتين حصلتا عام 1899 و 1901 بفرنسا وتشيران إلى حق المجلس النيابي في الدعوة إلى الإنعقاد وتعويض مدة التأجيل فيما لو حصلت حادثة كواقعة إستعمال الرئيس للمادة 59.

إقرأ أيضا : هذا هو قانون الإنتخابات الجديد المتفق عليه من قبل الجميع !
لكن بري إستبق هذا التفسير بطرحين الأول هو توقيع الرئيسين عون والحريري على مرسوم عقد دورة إستثنائية والثانية طلب الأكثرية المطلقة  في مجلس النواب عقد دورة إستثنائية وفق المادة 33.
لكن ما عرضته عين التينة رفضته أوساط قصر بعبدا وإعتبرت الأمر خرق للدستور وتفسير غير منطقي لمواده وتعدي على صلاحيات الرئاسة الأولى.
وإنطلقت هذه الأوساط في قراءتها إلى المواد 31 و 32 و 33 من الدستور اللبناني.
وتقول هذه المواد التالي:
المادة 31  (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927):
" كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يعد باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون."
المادة 32 (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927):
 " يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين فالعقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار والعقد الثاني  يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة."
المادة 33 (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 وبالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990):
" إن افتتاح العقود العادية واختتامها يجريان حكماً في المواعيد المبينة في المادة الثانية والثلاثين. ولرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود إستثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود إستثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه."
وإنطلاقا من هذه المواد فإن بعبدا ترفض ما تقدم به الرئيس بري من قراءة عن الموضوع وتتمسك بوضوح هذه المواد لجهة مدة الإنعقاد وكيفيته والمسؤول عن ذلك.

إقرأ أيضا : هل يكون القانون الجديد للإنتخابات فاتحة حل لمشاكل لبنان؟
أما من جهة الرئيس بري فالأمور مغايرة فهو  يذهب إلى وضع الدستور والكتاب حسب تعبيره في المؤتمر كحد فاصل بين صلاحياته وصلاحيات بعبدا ويستشهد بالفقه واللغة والقانون لتفسير عبارة " تأجيل " الواردة في المادة 59 والتي تقول: " لرئيس الجمهورية تأجيل إنعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهرا واحدا وليس له أن يفعل ذلك مرتين في العقد الواحد".
ويقول الرئيس بري في شرح هذه المادة:" لا يوجد معنى واحدا لكلمة تأجيل إلا تأخير مدته فعندما تؤجل موعدا فإن ذلك يعني أن هناك موعدا آخر. إن معنى كلمة تأجيل هو تأخير فإذا ما إنقضت هذه المدة المؤجلة يعود للمجلس النيابي الإنعقاد فيستمر المجلس بالإنعقاد حكما لتعويض الفترة التي أجلت".
لذلك نحن أمام عدة تفسيرات وإجتهادات للموضوع ما يسمح بفتح النقاش على تأويلات سياسية بعيدة عن الشرح الدستوري.

إقرأ أيضا : نسبية مشوهة ... من طرح إصلاحي وطني إلى طرح على قياس مصالح الطبقة السياسية

 

 

حرب صلاحيات:

فالمشكل الحاصل ليس وليد اللحظة بل هو تراكمات لعدة مشاكل وأزمات وفقدان " كيمياء " بين الرئاستين الأولى والثانية لا تخلو من النكايات وربما الكسر والإلغاء للآخر.
فبعبدا مصممة على إظهار ميشال عون على أنه الرئيس القوي الذي إستخدم صلاحياته وعين التينة مصرة على الدفاع عن صلاحيات الرئاسة الثانية التي ترى أن لدى بعبدا نية في إنتزاعها منها مستشهدة بما حصل وقت التفاوض على صلاحيات مجلس الشيوخ.
لذلك تبدو حرب الصلاحيات هذه مستمرة بين الإصرار والتصميم على الفوز وكسر الآخر والذهاب بعيدا في المعركة.

إقرأ أيضا : العونيون يتمنون رؤية بري رئيسا سابقا ولو لساعة !
هنا يستوقفنا بعض الهمس واللمز من أجواء حركة أمل  الذين يسألون التيار الوطني الحر : " هل إستيقظتم الآن وسمعتم بشيء إسمه الدستور وأنتم خرقتم هذا الدستور لمدة سنتين ونصف عبر تعطيل جلسات المجلس النيابي الإنتخابية  بحجة إنتخاب الرئيس القوي؟"
لذلك تبدو المعركة اليوم أبعد ما يكون عن تفسير أو إجتهاد دستوري، هي معركة بفلسفتها وماهيتها  حرب صلاحيات ووجود وتكريس توازنات وإحترام خطوط حمراء.
هي معركة شكل نظام جديد في المستقبل لن يسمح بالأخص الرئيس بري ( ممثل الشيعة الرسمي بالنظام ) بكسره أو إلغائه وهي أمنية بعض العونيين.
وهنا يتساءل بعض المراقبون  عن موقف حزب الله مما يحصل فيجدون أن معركة بري في هذا التوقيت الصعب الضاغط عليهم هي معركتهم، وهي معركة تتعلق بحقوق وصلاحيات الشيعة في لبنان فلا يمكنهم المغامرة وإن مارسوا بعض التقية مع العونيين.