هناك عملية مستمرة وممنهجة لتشويه معنى ومفهوم النسبية
 


لطالما كانت النسبية مدخلا أساسيا لإصلاح النظام اللبناني وتصحيح مساره.
ولطالما كانت النسبية أساسا صلبا لمشاريع معظم الأحزاب السياسية في لبنان على الصعيد الإنتخابي وجزءا لا يتجزأ من الدعاية والتسويق لأفكار الأحزاب وعقيدتهم السياسية.
لكن عندما إقتربت الأمور من الجدية والحتمية في تحقيق النسبية، إنتفض عليها فجأة كثر وعارضوها بحجج ميثاقية وطائفية ووجودية.

إقرأ أيضا : هذا هو قانون الإنتخابات الجديد المتفق عليه من قبل الجميع !

النسبية المقترحة:

فالنسبية بمعناها الحقيقي تؤدي إلى أوسع تمثيل شعبي وتخفف من إحتكار بعض الأحزاب السياسية الكبيرة لمصائر طوائفهم وتلغي ظاهرة " المحادل"  في الإنتخابات.
لكن ما حصل في الأشهر الأخيرة بين قوى السلطة هو عملية تشويه ممنهج للنسبية لتفريغها من مضمونها.
وتمت هذه العملية تارة عبر إقتراح القانون التأهيلي الذي يلزم بالمرحلة الثانية  بمرشحي المرحلة الأولى على أساس مذهبي أو طائفي وطورا عبر وضع شروط مرافقة للنسبية الشاملة كالصوت التفضيلي الطائفي وزيادة عدد الدوائر الإنتخابية ونقل بعض المقاعد النيابية.
وهذه الصيغة  هي المنتصرة حتى الآن وتشبه  إقتراح النائب جورج عدوان التي تلحظ قيام نسبية كاملة وتقسيم لبنان إلى 15 دائرة مع صوت تفضيلي على مستوى القضاء و محرر من القيود الطائفية والمذهبية.
نال هذا الإقتراح قبولا من معظم القوى السياسية فيما يتريث التيار الوطني الحر حتى الآن وعلم أن بعض التفاصيل لا تزال تناقش.
ولأن الشياطين تكمن في التفاصيل وهذه الشياطين ستبعد ملائكية النسبية وأهدافها الإصلاحية فإنها  ستركز على بعض تقسيمات الدوائر ونقل لمراكز نيابية من مناطق معينة.

 

 

نسبية مشوهة:

وإذا ما تحققت هذه التفاصيل فهذا يعني إستكمال عملية تشويه النسبية لدرجة إستنساخ نتائج قانون الستين مع بعض الروتوش.
خصوصا أن بعض الدوائر الإنتخابية قد قسمت على أساس مصالح سياسية لقوى موجودة في السلطة تضمن النتائج سلفا وستقتصر المعارك الإنتخابية في مناطق محددة وهامش التغيير سيكون منخفضا جدا خصوصا إذا ما خاضت القوى السياسية لعبة اللوائح المناقضة بحيث تخلق هي لوائح معارضة للوائحها لتكسب النتيجة في كافة الإحتمالات.
والمؤسف في ذلك هو أن التوصل لقانون إنتخابي عصري ويؤمن الديمقراطية الحقيقية كان يجب أن يكون من مسؤولية جهات محايدة لا تلحظ مصالح  ذاتية خاصة بها وهذا ما لم يحصل فبالمحصلة القوى التي ستتفق على القانون لن تقبل به قبل تأمين مصالحها الإنتخابية وهذا بحد ذاته إضعاف للنسبية.

إقرأ أيضا : ما هو مصير جلسة 29 ايار ؟

أمل في بداية الإصلاح:

لكن بالمجمل يرى البعض أن مجرد التوصل إلى النسبية والقبول بها هو إنجاز وتقدم يجب أن يبنى على أساسه في المستقبل على الرغم من الملاحظات الموجودة على الصيغة المقترحة.
ويضيف هؤلاء بأنه من الصعب في بلد كلبنان تلعب الطائفية فيه دورا أساسيا في الحياة السياسية أن ينتقل مباشرة من قانون متخلف كالستين إلى قانون نسبي شامل على أساس دائرة واحدة أو دوائر كبرى ما سيؤدي حقا إلى حرب أهلية لو تم ذلك، لذلك يجب المرور بمرحلة إنتقالية.

إقرأ أيضا : القانون النافذ هو الحل الدستوري للجدل العقيم
فالنسبية على الرغم من التشويه الذي لحق بها إلا أنها ستشعل المنافسة الإنتخابية وستعطي أملا للقوى الصغيرة بأن تتمثل وستصبح حتى لو لم تصل إلى الندوة البرلمانية ذات ثقل وصوت مسموع تهابه الأحزاب الكبرى.
لذلك يحاول أصحاب هذا الرأي التخفيف من السلبية والتعلق بالأمل كخيار أولي لدرب الإصلاح والتغيير.
وفي حال نجح إقتراح عدوان فهذا يعني بداية لتلك المرحلة الإنتقالية  وإذا وافق عليه التيار الوطني الحر الذي لم يعط جواب نهائي حتى الآن فستتفعل تلك المرحلة.
لكن التيار حتى كتابة هذا المقال لم يعط الجواب النهائي بالقبول أو الرفض ما يعني أن لا شيء جدي حتى الآن.