لبنان اليوم لا ينقصه المواهب، بل ينقصه عوامل التشجيع على الإستثمار، خصوصاً في مجال الشركات الناشئة
 

حلقة مُفرغة تدور فيها أفكار المنظّرين السياسيين والإقتصاديين حول تقييم ومعالجة الأزمة الإقتصادية في لبنان.

فالكل يلجأ إلى خيارات شعبوية يدفع ثمنها بالأخير الإقتصاد اللبناني وتعود بالأسوأ على المواطن الذي  يظن لوهلة أنها لصالحه.

والأمر بحقيقة الأمر يعود إلى طريقة تفكير بالدرجة الأولى إعتاد عليها اللبناني بسبب النظام الزبائني الذي تكرّس بعد إتفاق الطائف، حيث أصبح طموح المواطن اللبناني في الحياة هو الحصول على وظيفة في القطاع العام وتأسيس عائلة.

وبغضّ النظر عن أن الموظف في القطاع العام ورغم المكاسب التي يحصل عليها، يعيش في حالة معيشية مزرية أيضاً لأسباب عديدة، إلاّ أن التضخم الحاصل في القطاع العام اللبناني تجاوزت الخطوط الحمراء.

والحالة المزرية التي يعيشها هذا المواطن، هي إنعكاس لفشل الرؤية الإقتصادية الموجودة في البلد، عبر المغالاة أولاً في تكبير حجم القطاع العام وشيطنة مفهوم الخصخصة لاحقاً.

إقرأ أيضًا: الدولة المدنية في لبنان بين الهواجس ونوايا الهيمنة ... هل هي الحل؟

وبحسب بعض الأرقام التقريبية المتداولة عن حجم القطاع العام اللبناني، نرى أن نسبة الموظفين فيه  تُقدّر بـ ٢٥٪؜ من حجم القوى العاملة اللبنانية، أي نحو ٣٠٠ ألف موظف، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً مع دول أخرى بحيث لا تزيد في اليابان عن ٦٪؜ وفي ألمانيا وفرنسا عن الـ ١٤٪؜. 

مثلاً، في الإتحاد الأوروبي تتعرّض فرنسا للعديد من الإنتقادات وحملات السخرية بسبب تضخّم قطاعها العام، فهذا التضخم هو معيار للفشل الإقتصادي. 

فكيف سيكون الوضع في لبنان إذاً مع قطاع عام حجمه مضاعف تقريباً عن حجم القطاع العام الفرنسي؟!

والغريب في الموضوع اللبناني، أن القطاع العام بالإضافة لكونه ضخم، هو أيضاً غير منظّم.

فنسبة الشغور تُقدّر ب ٣٠ ٪؜ في الإدارات الرسمية وتصل إلى ٥٠٪؜ من دون احتساب المتعاقدين.

وهذا مردّه للتوظيف العشوائي الطائفي، والبيروقراطية القاسية المتحكمة بنظام الإدارة اللبنانية والتي تتطلب خلق وظائف لضمان الهرمية الإدارية وبعض هذه الوظائف تكون وهمية، كذلك توجيه التوظيف نحو إدارات ووزارات معينة دون غيرها، مع الفساد المستشري والهدر والرشاوى، وكلها عوامل محبطة وأسباب للتردّي والهريان الحاصل. 

إنعكس هذا الشيء سلباً على الإقتصاد، فالإنتاجية متدنية والإنفاق العام مرتفع جداً، فأصبح القطاع العام يُمثِّل خسارة إقتصادية للبلد، وهو بحاجة لإصلاحات جذرية. 

وفي بلد كلبنان محكوم لقواعد السوق والرأسمالية، يجري أمر غريب يخالف أبسط قواعد الإقتصاد الحر، حيث أن الخصخصة تُحارب كثيراً في البلد وجرى شيطنتها على مدى عشرات الأعوام، حتى بات مصطلح الخصخصة مُرادفاً للسرقة والنهب في وعي المواطنين.

إقرأ أيضًا: هل يُعرقل جدال دعوة سوريا إلى قمة بيروت الإقتصادية تشكيل الحكومة أيضًا؟

علماً أن أحد أهم العوامل التي تُساهم في إيجاد حل جذري للأزمة الإقتصادية المستمرة في لبنان هي الخصخصة، ولنا أن نتخيل لو تم خصخصة الكهرباء، كم من الأموال كانت الدولة ستجنيها والشركات الخاصة وحجم التغذية، بل إن الكهرباء كانت ستتحول إلى قطاع إستثماري ناجح يجعل لبنان يُصدّر إلى الخارج، وهنا نتكلم عن الكهرباء فقط، والكلام يصح أيضاً في الإتصالات والمياه وغيرها.

فالخصخصة هي أسلوب وثقافة وطريقة إدارة تُشكِّل حلاًّ لأزمة الإقتصاد اللبناني، والأهم أنّها تُحرّر المواطن من زبائنية النظام وتُخضع النظام لرغبات السكان.

وهي أيضاً عامل مهم في رفع الإنتاجية وزيادة الإبداع والتحفيز وتنويع الإنتاج، الفكري والخدماتي والمادي وغيره.

ولبنان اليوم لا ينقصه المواهب، بل ينقصه عوامل التشجيع على الإستثمار، خصوصاً في مجال الشركات الناشئة (startups companies) والتي تكلّم عنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلته الأخيرة مع مارسيل غانم ببرنامج صار الوقت على الـ mtv Lebanon، والذي وعد بزيادة التشجيع عليها.

وبالتالي، لا بد على المنظّرين الإقتصاديين في البلد الدفع بإتجاه الخصخصة وتعريف الناس بها، فهي كفيلة برفع الإنتاجية وزيادة الإستثمارات وخلق فرص عمل جديدة.

بمعنى أبسط، هي حلّ أساسي للأزمة الإقتصادية الخانقة في لبنان.

(صورة المقال بعدسة: رامي رزق)