كان لافتاً تذكير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بموقف الحزب المؤيد لإقتراح القانون الأرثوذكسي، الذي طرح قبل سنوات، وفي العام 2013 كاد يصل إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه لإقراره. الموقف التذكيري جاء لردّ الحزب على محاولات اتهامه بأنه لا يريد للمسيحيين أن ينتخبوا ممثليهم ويقطع الطريق على حصول القوى المسيحية على ثلث معطّل نيابي، ولذلك هو يرفض المقترحات المختلطة وآخرها التأهيلي. اعتبر نصرالله أن هذه الاتهامات باطلة، خصوصاً أن الحزب وافق سابقاً على الأرثوذكسي، الذي سقط برفض البعض له. ولكن لو حصل التصويت لكان الحزب صوّت لمصلحته.

لا شك في أن جملة التباسات رافقت ولادة هذا المقترح، ولم تكن معلومة. واللافت كان السرعة التي تقدّم بها هذا المقترح، لتتبناه أكبر كتلة مسيحية وتقنع حلفاءها من الطوائف الأخرى به. ولد القانون من رحم اللقاء الأرثوذكسي، وعرّاب هذا اللقاء كان نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، ثمة من يعتبر أن تبنّي المقترح جاء بناء على كلمة سرّ سورية، لأجل حشر جميع خصوم دمشق سياسياً. تبنّى حزب الله الخيار، حرصاً على التمثيل المسيحي. لكن بعد سقوطه، لا ينكر حزب الله أنه أجرى مراجعة لموقفه هذا، وخلص إلى أنه من الأفضل عدم الموافقة على هذا القانون لأنه طائفي وغير وطني. وقد بدا ذلك واضحاً في كلام نصرالله، حين قال: "وافقنا عليه بمعزل عن رأينا به".

تفيد هذه القراءة بأن ما حصل مع القانون الأرثوذكسي، ليس ما يمنع من تكرار ذلك مع القانون التأهيلي. بمعنى أن حزب الله يوافق عليه، بمعزل عن رأيه به وبطائفيته، وقد يمضي في هذه الموافقة لأنه يعلم أن غيره من الأفرقاء سيرفضونه. لكن الأكيد أن تغيّر الحسابات والتحالفات والمصالح، هو ما يدفع القوى السياسية إلى تغيير توجهاتها الانتخابية ورؤيتها للقوانين التي تفضّلها. تماماً وفق ما يقول الرئيس نبيه بري عند تعبيره عن صدمته بتغيير موقف التيار الوطني الحر من قانون الانتخاب، ويقول: "في السابق، كان مطلبهم الأساسي هو النسبية الكاملة، وتغيّر موقفهم اليوم يصدمني". هذا الموقف يردّه البعض إلى بري، ويقولون إن "رئيس المجلس في السابق اعترض على الأرثوذكسي، لكنه أبلغ أنه إذا ما سار به حزب الله ووافقت عليه الغالبية فسيسير به".

في حينها، أراد البعض رمي كرة تعطيل قانون الانتخاب في ملعب تحالف 14 آذار، الذي كان حيّاً يرزق. إذ يعتبر نواب هذا الحلف أن موافقة حزب الله في ذلك الوقت كانت تهدف إلى حشر القوات اللبنانية، عبر دعم حليفه التيار الوطني الحر بما يريد. كانت عبارة عن نكايات سياسية أكثر مما هي جديّة. ويعتبر هؤلاء أن الحزب كان يعلم بأن القوت لن تسير بالمشروع وستسحب موافقتها عليه. لذلك، تمسّك به أكثر، للإشارة إلى أن السنّة لا يتنازلون لحلفائهم كما يتنازل الحزب لمصلحة التغيير والإصلاح.

وفي وقت اعتبر البعض أن تذكير نصرالله بالأرثوذكسي، قد يكون تمهيداً أو خطوة لفتح الطريق أمام التسوية والتفاهم على القانون التأهيلي، تستبعد مصادر متابعة ذلك، وتشير إلى أن الحزب متمسّك بالنسبية، لكنه لا يمانع التوافق، مقابل حرصه على الحفاظ على التوازنات، عبر ممانعته التصويت، وتأكيده أن أي صيغة يعترض عليها فريق واحد من اللبنانيين لن تُقرّ.

ثمة من يعتبر أن مشهد تطيير جلسة التصويت على الأرثوذكسي بعد إتفاق المستقبل والإشتراكي والقوات على القانون المختلط، وبتكافل ضمني مع بري، يتكرّر مع مشهد اليوم في شأن إقرار قانون جديد للانتخابات، سواء أكان في اختلاف وجهات النظر وعدم حصول أي تقدّم عبر تقاذف الاتهامات والمسؤوليات، وإنسحاب ذلك على جلسة التمديد، التي أطاح برّي بها، معتبراً أنه لا يريد التمديد، ولن يعقد جلسة إذا لم يكن هناك توافق بشأن القانون الجديد.

يضع ذلك الأمور أمام تأجيل جديد للازمة، وهذه المرّة ليس لشهر إنما لأسبوع أو عشرة أيام على أبعد تقدير، فإذا حصل التوافق كان به، وإذا لم يحصل فإن بري لن يسمح بحصول فراغ، أو حتى بالتهديد به، ولن ينتظر ليضع رقبته تحت رحمة عون وتوقيعه لعقد دورة استثنائية لمجلس النواب بعد انتهاء العقد العادي في الحادي والثلاثين من أيار. بالتالي، فإن بري سيأخذ بعين الاعتبار مهلة الخمسة أيام التي تتاح لرئيس الجمهورية لرفض القانون أو الموافقة عليه. عليه، فإن جلسة التمديد ستكون مؤجلة إلى 25 أيار، لأجل إقرار التمديد في حال عدم حصول إتفاق.