بعد تشكيل حكومة حسان دياب، خاض الرئيس نبيه برّي معركة لتأمين جلسة نيلها الثقة في المجلس النيابي، ولتوفير النصاب المطلوب لانعقادها.

وعود بري
قام برّي بمشاورات مع سعد الحريري لحضور كتلته الجلسة. فطلب منه الحريري تعهداً بعدم المساس بموظفين من الفئة الأولى محسوبين عليه. وطلب عدم المساس بمدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان. وعدم إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. والتجديد لمحمد بعاصيري نائباً لحاكم المصرف المركزي، وسواها من المطالب.

ووعد برّي الحريري بحماية التوازنات في الوظائف العامة، وعدم اتباع منطق "اجتثاث المستقبل" من الإدارات، مثلما حصل في العراق مع قانون "اجتثاث البعث".

هذه المعادلة لا يمكن أن تتكرس في عهد كعهد ميشال عون، وفي ظل سطوة صهره جبران باسيل على الحياة السياسية، مستفيداً من تحالفه مع حزب الله ودعم عمّه المطلق له.

الحريري في متاهته
ما تكرّس في تسوية 2016، هو أن ما للسنّة للسنّة، وما للشيعة للشيعة، وما للمسيحيين للمسيحيين. يعني ذلك أن السنّة في السلطة هم الذين يتولون تعيين من يريدونهم من طائفتهم. وهذا ما يسري على الطوائف الأخرى.

لكن عون وباسيل يريدان استغلال هذا المنطق ودفعه إلى نهايته، مستفيدين من وجود حسان دياب في رئاسة الحكومة، ليختار هو الشخصيات السنّية المرشحة لتولي المواقع.

يستفيد التيار العوني من تفاهم مبرم سابقاً مع الحريري، لإقصائه عن المواقع الإدارية والمالية في الدولة. وما تزايد نغمة تحميل الحريرية مسؤولية سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان، إلا ذريعة لتبرير أي إجراء لتحجيم نفوذ الحريري في الإدارة، بعد تحجيمه في السلطة وفي الحياة السياسية.

وقع الحريري في شرّ أعماله وأخطائه وسهواته. لا سيما وسط نقاش واسع يدور في الكواليس السياسية، مضمونه أنه ليس من حق السنّة التدخل في تعيينات مسيحية، والعكس صحيح. لذلك كان عون وباسيل يستعجلان إنجاز التشكيلات للاستفادة من وجود دياب على رأس الحكومة، والتفاهم معه على الأسماء السنّية، بحيث لا تعود تابعة للحريري أو محسوبة عليه.

شعر الحريري باستهداف متجدد، دفعه إلى التهديد بالإستقالة. وهذا تهديد حشره في ربط حياته السياسية ووجوده في المجلس النيابي، بموظف إداري. يصل المرء إلى هذا الدرك بسبب أخطاء متراكمة طوال سنوات مديدة. لجأ الحريري إلى التصعيد والتهديد ليذكّر برّي بضرورة الدفاع عن تعهده. لكن ليس الحريري من حمى سلامة، بل قرار خارجي أميركي، والتقاء جملة مصالح سياسية على بقائه حالياً، مع مساع مستمرة لتطويقه وعزله.

أبدى حزب الله انزعاجاً شديداً من حلفائه، وصراعاتهم المستمرة. عدم نجاحه بإقناعهم بالتوافق لتمرير التعيينات، أدى إلى تأجيلها وإعادة ترتيبها مجدداً. غضب فرنجية وتوجه إلى حزب الله قائلاً: "لماذا كلما رفض باسيل التجاوب معكم تضغطون عليّ؟ ما عدت قادراً على التحمل، وواضح أن باسيل يستهدفني مسيحياً، وأنا لن أسكت".

هنا ظن الحريري أن موقفه يتعزز بموقف فرنجية وبرّي. لكن الرجلين عندما تُلبّى مطالبهما لن يسألا عنه. فهو لم يسأل عن أي منهما، عندما كان على وئام مع عون وباسيل. وكان جاهزاً لاستعداء الجميع كرمى لعيون الجنرال وصهره، الذي عاد ووصفه برئيس الظلّ.

مدلل حزب الله
غضب حزب الله، فسحب التعيينات من التداول. حسان دياب وجدها فرصة لتلميع صورته ببيان أعلن فيه عدم موافقته على التعيينات، منتقداً المحاصصة السياسية المتبعة فيها، مذكراً بأنه رئيس حكومة تكنوقراطي. موقف دياب هذا الذي أرفق بتصفيق وزرائه، يضفي صورة فولكلورية على العرض المسرحي. وكأن بند التعيينات أدرجته على جدول أعمالها حكومة أخرى غير تكنوقراطية. سحب حزب الله فتيل تفجير الحكومة. تراجع فرنجية سريعاً، فهو غير قادر على إغضاب حزب الله، وقال إنه لن يتدخل في التعيينات بعد اليوم.

آلية جديدة ستعتمد في التعيينات. لكن باسيل سيكون الرابح الأكبر منها. فهو المدلل عند حزب الله، وهناك ذريعة الأكفاء والاختصاصيين والتكنوقراط التي يجيدها باسيل. أما الحريري فلن يحمي له أحد محمد بعاصيري.

باسيل يعمل على المعادلة الأبعد ويسوقها، معتبراً أن لا معارضة أميركية لاستبدال بعاصيري. فالأنظار كلها تتجه إلى ما يفعله الأميركيون. وهل أصبح باسيل هو الناطق باسمهم والمسوق لما يريدونه أو لا يريدونه.

والمشكلة الأكبر أن سياسة مصرف لبنان، والتي كان يهاجمها عون وباسيل وحزب الله، وتُتهم بأنها حريرية، أصبحت اليوم في مكان آخر. فرياض سلامة لم يتأخر في التجاوب مع مطلب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في حماية صغار المودعين. فجاء إصدار تعاميم تتعلق بتحرير الودائع بقيمة خمسة ملايين ليرة وما دون.