بغض النظر عن السياسات والسلوكيات التي كانت وراء الأسباب الحقيقية التي أوصلت أمور البلد إلى هذه الهشاشة في البنى الاقتصادية والإجتماعية والمعيشية والأمنية.
 

وبعيدا عن المزايدات والمهاترات والمعلقات الخطابية المطولة والاتهامات المتبادلة بين المكونات الحاكمة عمن أوصل البلاد إلى حافة الانهيار  وبمعزل عن المطالبة بمحاسبة المسؤولين الذين تهاونوا بمسؤولياتهم ووظائفهم واستهانوا بالمصلحة الوطنية العليا ، بعيدا عن كل هذا الا انه لا بد من إطلاق صرخة مدوية  ورفع أصوات تصدح بها الحناجر تخترق جدار الصمت لتفتح الآذان الصماء وتستقر في عقول وقلوب ونفوس هذه الطغمة الحاكمة علها تستفيق من غيبوبتها وتتحرك عندها ما تبقى من عوامل أخلاقية وانسانية ويستيقظ ضميرها وتدرك  قبل فوات الأوان أن أوضاع البلد من كافة النواحي آيلة إلى السقوط وأنه أصبح على شفير الهاوية  وأن أي هزة مهما كانت صغيرة ستلقي به في مهاوي الضياع والفلتان. 

إقرأ أيضا : السكان الضعفاء.... 30% من اللبنانيين تحت خط الفقر
ولا أخال أن اي مسؤول في أي موقع أو مؤسسة من قمة الهرم الوظيفي إلى القاعدة لا يعي جيدا أن أوضاع الناس أصبحت في الحضيض ولم يعد بمقدورها تحمل أعباء إستهتار المكونات السياسية والحزبية الحاكمة والممسكة عنوة بمفاصل البلد بلقمة العيش وحبة الدواء والاقساط المدرسية والارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية وتراجع القيمة الشرائية لعملتهم الوطنية وتلاشي الخدمات المرتبطة بحياتهم اليومية من ماء وكهرباء وطرقات واتصالات إلى آخر المعزوفة  وبالتالي فإن المواطن لم يعد بإمكانه الصمود أمام الإرتفاع الجنوني للضرائب المفروضة عليه وتلك التي يتم التلويح بها نتيجة التراكم المضطرد للدين العام ولخدمته التي تتزايد سنة عن سنة دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى إعتماد سياسة أو المراهنة على مصادر دخل خارجية كالسياحة والاصطياف  او الاستثمار لمتمولين عرب أو أجانب قد تساهم في تخفيف المديونية العامة وخدمتها. 

إقرأ أيضا : هذه هي الشركات التي قدمت طلباتها للتنقيب عن النفط اللبناني
وما يزيد الواقع اللبناني خطورة يكمن في تراجع إهتمام المجتمع الدولي بالبلد لأسباب عديدة وغير خافية وتتلخص في أن لبنان لم يعد أولوية في سلم الاهتمامات الدولية والإقليمية في ظل هذه الأزمات والحروب التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط من اليمن إلى العراق وسوريا وصولا إلى مصر وليبيا مرورا بأزمة المستوطنات في فلسطين المحتلة وإنهماك الدول العربية بإيجاد حلول لهذه المشاكل. فضلا عن أزمة العلاقات المتعثرة بين الدول الكبرى ومنها العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول الأزمة الأوكرانية  والعلاقة الأميركية - الصينية التي تفتقد إلى الثقة المتبادلة بين الطرفين. وكذلك بروز مؤشرات انفراط عقد الإتحاد الأوروبي والذي بدأته بريطانيا بالانسحاب منه. 

إقرأ أيضا : مسالخ لبنان لسلخ الأرواح ....لحوم أبقار نافقة يأكلها اللبنانيون والحكومة تراوغ !
يضاف إلى ذلك أن الدولة اللبنانية وخلال توالي العهود المتعاقبة منذ إتفاقية الطائف وإلى اليوم أفقدت المجتمع الدولي وكافة المنظمات الدولية ثقتهم بأداء هذه الطبقة السياسية الحاكمة وحسن إدارتها لشؤون البلاد والعباد بعد تفشي أوبئة الفساد والرشاوى والصفقات المشبوهة والسمسرات والسرقات داخل الإدارة  وما ينتج عن ذلك من ذهاب أموال المساعدات التي كانت تأتي إلى لبنان عن طريق الجمعيات والمنظمات العالمية والتي تقدر بالمليارات إلى جيوب المتنفذين. 
حتى الهبات التي كانت تخصصها بعض الدول الصديقة والشقيقة لتمويل مشاريع انمائية في البلد فإن معظمها يجد طريقه إلى أرصدة الزعماء وحساباتهم المكدسة في المصارف والبنوك. 

إقرأ أيضا : بالأرقام: الجمارك اللبنانية تتلاعب بالفواتير وهدر بملايين الدولارات
أمام هذا المشهد السوداوي وعلى أبواب المستقبل القاتم الذي ينتظر اللبنانيين لم يعد أمام هؤلاء الحكام الممسكين بمفاصل البلد سوى العودة إلى ما تبقى لديهم من ضمير وكرامة وشهامة ونخوة للمبادرة في اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة وهادفة لإيقاف مزاريب الهدر ووضع المشاريع والخطط اللازمة لحفظ ما تبقى من البلد وقبل سقوط الهيكل على رؤوس الجميع كي لا نصل إلى مرحلة الندم التي لم يعد ينفع معها عض الاصابع. والعمل بالقول الشائع "ما حك جلدك غير ظفرك".