البلد تحول إلى محميات محكومة بميليشيات وعصابات مسلحة تتناهش السلطة
 

 

يوم بعد يوم تتعزز القناعة لدى الشعب اللبناني أن كل فريق من الأطراف السياسية والحزبية الممسكة بمفاصل السلطة في البلد يسعى إلى بناء دولته المستقلة الخاصة به التي تخدم مشروعه الفئوي المرتبط بمشاريع خارجية وإلى فرض رؤيته على المجتمع اللبناني بقوة الأمر الواقع. وذلك على حساب الدولة الشرعية وعلى حساب مصلحة الوطن والمواطن. وفي أحسن الحالات فإن كل فريق يحاول أن يعمل على تركيب وبناء أسس الدولة التي يريدها وكما يراها مناسبة وفقا لرؤيته وايديولوجيته. 

وفي كل الحالات فإن ذلك يؤدي إلى إضعاف الدولة الأم بكل مؤسساتها الدستورية وإدارتها وأجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية. ويساهم بشكل فعال وواسع في نشر الفوضى والفساد والرشاوى والاستهتار وتكريس عوامل الاحتكار والتفرد والتحكم بكل إدارة من الإدارات الرسمية التابعة للدولة والتعامل معها وكأنها ملك شخصي أو مزرعة موروثة عن أسلافه. وكذلك يساهم في زرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد وإشاعة الرعب والخوف والهلع في المجتمع اللبناني واضطرار الناس للجوء مكرهين الى البحث عن وسائل الحماية لأنفسهم ولأسرهم 

والاعتماد على ما يمتلكون من مقومات الدفاع عن النفس لدرء الأخطار التي قد تتهددهم عن طريق السلب أو السرقة أو الخطف لقاء فدية والتي تعتمدها عصابات اللصوصية والتهريب والتزوير ومافيات القتل والإجرام والمحمية بغطاء انتمائها إلى أركان السلطة وتبادل المصالح معها وتقاسم الغنائم فيما بينها. 

وبمعنى أوضح فإن البلد تحول إلى محميات محكومة بميليشيات وعصابات مسلحة تتناهش السلطة وتتقاسم الغنائم دون أية روادع أخلاقية ودينية وخارج أي محاكمات قضائية وبمنأى عن أي محاسبات شعبية في الاستحقاقات الانتخابية. 

 

إقرأ أيضا : كيف سقط لبنان القوي بتغريدة؟

 

 

فعلى إيقاع هذا المشهد الدرامي فإن القوى الحاكمة تبدو في مقاربتها للملفات الشائكة والمتراكمة والملحة بعيدة عن أي قيود أو التزامات أو شروط بل أنها تتعاطى معها بكثير من الاسترخاء والإهمال والاستغباء والاستغلال والقفز فوق المصالح الوطنية والضرورات الحياتية للمواطن والمتعلقة بأمنه واستقراره واقتصاده ومعيشته وحمايته من نوائب الدهر وشريعة الغاب التي شاعت في الكثير من المناطق اللبنانية وخاصة الأكثر فقرا وحرمانا من غيرها. 

وفي هذا السياق يبدو واضحا التباطؤ في إخراج التركيبة الوزارية، مما يؤكد على وجود إشارات غير مشجعة لتأليف الحكومة بالسرعة المطلوب وانتظار نتائج المواجهة الدولية والإقليمية في المنطقة وخاصة بين الأميركيين والخليجيين والايرانيين وما ستسفر عنه من تداعيات سلبية قد تنعكس على الساحة السياسية الداخلية. 

فمع أكثر من شهر على تكليفه بتشكيل الحكومة لا يبدو أن الرئيس سعد الحريري في عجلة من أمره لإنجاز مهمته بتأليف الحكومة. فقد أمضى عطلة عيد الفطر في وطنه الثاني المملكة العربية السعودية ، وكان شارك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باحتفال انطلاق المونديال في روسيا. 

وحتى اليوم فإن الرئيس الحريري لم يفعل أي شيء ولم يخطو اي خطوة في الملف الحكومي سوى أنه قدم تصورا أوليا عن توزيع الحقائب الوزارية الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وهو يدرك أن هذه التوليفة لا ترضي الرئيس والتيار الوطني الحر الطامح إلى تحصيل أكثر من تسعة وزراء. فيما الحريري نفسه يحاول حصر التمثيل السني بتياره الأزرق مع معرفته المسبقة أن هذا الأمر لا يمكن أن يوافق عليه "حزب الله " وحلفائه. 

وفي ملف النازحين السوريين فإن الوزير جبران باسيل فتح الحرب على المفوضية العليا للاجئين. الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهة مع المجتمع الدولي برمته. 

وأما ملف التجنيس الذي طالب البطريرك الراعي بسحبه والذي فتح الباب واسعا للجدل السياسي  حوله فإنه من الصعوبة بمكان إزالة شبهة الفساد عن ملابساته والاقتناع بالمبررات التي سيقت لتمريره في الظل. 

فمع أن البلد قارب شفير الهاوية وأصبح على كف عفريت ويفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات الحماية والتماسك. ومع ذلك فإن الأطراف السياسية الحاكمة تمعن في تدمير مؤسساته وتخريب اقتصاده وإضعاف دولته الشرعية، وذلك خدمة لدويلاتها المتناحرة والمتنافرة.