استهدف الاحتلال الإسرائيلي في غارة جوية على سوريا أسلحة "متطورة" لحزب الله اللبناني، وفق ما أعلنه مؤخرا رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلا أن حزب الله لم يرد على هذا الهجوم، بل تجاهل الحديث عنه أيضا، ما دفع بتساؤلات حول هذا الأمر، والحديث عن قدرة الحزب على المواجهة.

وكان واضحا تجاهل نصر الله التعليق على الغارات الإسرائيلية خلال كلمته الأخيرة، السبت الماضي.

وتحدثت "عربي21" مع خبراء ومحللين سياسيين، قدموا أسبابا مهمة لعدم اختيار حزب الله الرد على الغارات الإسرائيلية التي استهدفته في سوريا، كان أهمها أن الحزب:

- يخشى الداخل اللبناني
- يعتمد منهج "الحرب الدفاعية"
- قواه موزعة بسبب انتشاره بمناطق عدة
- لا يستطيع الرد من لبنان وليس سيد حركته في سوريا
- لديه أولويات، منها ما هي إقليمية، بالإضافة إلى علاقته بإيران.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبد الستار قاسم، لـ"عربي21"، أن "المنهج القائم لدى حزب الله أنه لا يرد على غارات تستهدف شاحنات تنقل أسلحة ومعدات عسكرية له في سوريا"، مضيفا أن الحزب "يرد إذا كان الهجوم الإسرائيلي يستهدفه في لبنان. ولكن حتى الآن لا يوجد قرار لدى الحزب بالرد داخل سوريا".

وعلل ذلك، بأن "حزب الله لا يريد توسيع الدائرة إجمالا، حتى لا تتعقد ظروف المنطقة بشكل أكبر، وحتى لا يؤلب الداخل اللبناني ضده".

وشدد قاسم على أن أكبر عقبة يواجهها حزب الله في حساباته للرد، هي الداخل اللبناني، المتمثل غالبا بقوى 14 آذار، التي سرعان ما تحمله مسؤوليته أي دمار أو خراب أو قتل يحصل في لبنان.

وقال إن "حزب الله يخشى الداخل اللبناني أكثر مما يخشى إسرائيل".

ووافق عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار، شارل جبور، ما ذهب إليه قاسم، وقال لـ"عربي21" إن الداخل اللبناني يريد تحييد لبنان عن صراعات المنطقة في الخارج، ولا يهتم بطبيعة حسابات حزب الله بالرد على إسرائيل، ولا يدركها، بل إن أولويته هي أن لا يورط حزب الله لبنان في أي مواجهة مع إسرائيل جنوبا.

أولويات الحزب

ولفت جبور القيادي في القوات اللبنانية، إلى أن الصراع الأخير حاصل على الأراضي السورية، بالتالي، فإن الرسائل المتبادلة بين الأطراف هناك (النظام السوري وإيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى)، يأمل الداخل اللبناني في أن تنحصر داخل سوريا فقط، وأن لا تمتد إلى لبنان.

وأضاف أن الحزب لا يراعي البعد اللبناني في حساباته، لأن أولويته كانت ولا تزال أولوية إقليمية، وليست لبنانية.

وأوضح أن حزب الله يقاتل وفق حسابات إيران، ويقوم بأدوار إقليمية، وإن وجوده على الحدود اللبنانية الجنوبية يعطي طهران دورا إقليميا كبيرا، وهذا الدور تحرص عليه إيران.

وقال جبور، إن أي مواجهة مع إسرائيل يمكن أن يقوم بها الحزب ستكون ضمن استراتيجية إيرانية، لتحجز طهران دورا لها في الصراع العربي الإسرائيلي، لتتمدد وتوسع دورها إقليميا، وفق قوله.

اقرأ أيضا: نتنياهو يكشف هدف الغارة على سوريا.. ما علاقة حزب الله؟

وبالحديث عن أولويات الحزب، قال الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني، عماد شمعون، لـ"عربي21" إن من أولوليات حزب الله اهتمامه بحماية القرى الشيعية في سوريا في منطقة حلب، وقرى شيعية أخرى على الحدود مع لبنان.

وكشف أن حزب الله يقوم بنوع من التغيير الديموغرافي في البلدات السنية المحاذية للحدود اللبنانية التي يسكنها شيعة من الجهة اللبنانية، ويعمل على إخلاء المناطق من سكانها السنة في الجهة السورية، ويقوم بإحلال سكان جدد من الطائفة الشيعية.

قدرة الحزب على المواجهة

وتناول شمعون قدرة حزب الله على الرد عسكريا على إسرائيل، وذهب إلى أنه لا يقدر حاليا على الرد، وهذا يفسر تجاهله للغارة الإسرائلية الأخيرة، موضحا أن الحزب "منشغل في المعارك ميدانيا في حلب، ولديه انتشار عسكري كبير على طول الحدود اللبنانية في منطقة القصير المحاذية للحدود الشمالية اللبنانية مع سوريا، ولديه حضور في الجنوب اللبناني أيضا.

وقال إن "قوى حزب الله موزعة بشكل كبير، وليس لديه قدرة ميدانية الآن بفتح حرب مع إسرائيل من منطقة الجولان، على الرغم من مقدرته نظريا على ذلك، لكن جهوده وعناصره موزعة الآن فعليا".

وفي حال قرر حزب الله الرد، قال شمعون إن الحزب يتوقع ردا في المقابل بطبيعة الحال، ففي لبنان، سبق أن توعدت إسرائيل في حال تنفيذ أي عمل عسكري من الحزب أن "ترد لبنان إلى ما قبل القرون الوسطى".

أما على الصعيد السوري، ففي حال تحرك حزب الله من المناطق السورية للرد، فالحزب ليس سيد حركته هناك، إذ إنه يحتاج إلى أن ينسق مع النظام السوري مثلا، وفي حال توقع النظام أي تداعيات عليه، فسيلجم حينها حزب الله عن تنفيذ أي هجوم عسكري.

اقرأ أيضا: قرار الحرب عند "حزب الله"

ووفقا لتحليل شمعون، فإنه يقرأ أجواء تدل على حدوث حرب بين إسرائيل وحزب الله، وقال لـ"عربي21" إن الأمور ذاهبة نحو هذا الاتجاه، ولكن التوقيت لا يمكن التنبؤ به، إلا أن هناك مؤشرات تدل على اقتراب مواجهة بينهما.

وقال: "إذا حدث ذلك انطلاقا من الأراضي اللبنانية، فإنه لا يستطيع أحد أن يقدر حجم الخسائر والأضرار، وسيدفع لبنان ثمنا كبيرا جدا".

"حرب دفاعية ساكنة"

من جهته، علق قاسم حول قدرة الحزب على الرد على الضربات الإسرائيلية في حال قرر ذلك، مخالفا تحليل شمعون، بالقول إن حزب الله يستطيع الرد بسهولة، فلديه من القدرة العسكرية ما يصيب كل الأهداف الحيوية في إسرائيل، مثل تدمير ميناء حيفا، وتدمير محطات ضخ مياه نهر الأردن، وضرب مراكز في المدن مثل وسط تل أبيب.

وأضاف أن مشاركة الحزب في سوريا، "لم تؤثر على قدرته الضاربة بمواجهة إسرائيل، فقدرته هذه لم تذهب إلى سوريا، فهي موجودة في لبنان، وبقيت هناك".

ولكنه أوضح أن حزب الله حتى الآن لا يتبنى فكرة الهجوم، ما زال هو في موضع دفاع، ويفضل "الحرب الساكنة" على "الحرب الهجومية".

وقال إن لدى حزب الله حوالي 40 ألف مقاتل في مواجهة إسرائيل، ولكنه أوضح أن حزب الله لم يصل بعد إلى القدرة على المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لا سيما أن حربا هجومية من هذا القبيل تتطلب أعدادا أكبر من 40 ألف مقاتل، فالجبهة اللبنانية تتسع إلى 70- 80 ألف جندي لا يملكهم حزب الله الآن.

وختم شارل جبور، بالقول إن حزب الله لا يريد أن تجره إسرائيل إلى ردود تنزلق به إلى مواجهة لا يريدها في الوقت الحالي. 

 

شارل جبور