لا يقتصر غياب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عن الساحة الشيعية الدينية فحسب، بل يكاد يكون حضوره الوطني معدوما بالكامل، فلولا الشيء اليسير من الصلاحيات القانونية المناطة به، ولولا المعادلات السياسية الطائفية اللبنانية، لما كان لهذه المؤسسة أدنى حضور ..!!!

هذا مع العلم بأنه عقب تأسيس المجلس بفترة وجيزة احتل موقعا مميزا في الساحة اللبنانية بشكل عام، بل حتى أنه كانت فاعليته تتجاوز الأطر المشابهة له، ذات التاريخ و العراقة!

و مع العلم بأن وظيفة المجلس الشيعي تنظيم شؤون الطائفة الشيعية الداخلية، و لكن ليست هذه وظيفة المجلس فحسب، بل إن من مهامه الأساسية و ذات الأهمية، تمثيل الطائفة على المستوى الرسمي و الوطني، و التحدث باسمها، و متابعة قضاياها، و تعزيز حضورها لبنانيا و عربيا و إسلاميا... و هذه الأمور لا تقل أهمية إطلاقا عن حصر العمل بالشؤون الدخلية للطائفة، بل على العكس، حيث إن السعي لبلورة مكانة الطائفة، و رفع شأنها، و تطوير واقعها، و إبقائها حاضرة و فاعلة في مختلف المحافل الوطنية..  هو أولوية، لا يجوز إهمالها، أو مقاربتها باستخفاف! 

إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني(14): نحو إدارة سليمة لأوقاف الطائفة الشيعية في لبنان

 

و هنا يمكننا ملاحظة الحضور الوازن للبطريركية المارونية، و لدار الفتوى السنية، و لمشيخة العقل الدرزية، و لبطريركية الروم الأرثوذكس  - و سواها من مؤسسات ملية لبنانية- على صعيد الدولة، و إداراتها، بل و حتى على مستوى أبناء هذه الطوائف، و في الساحات الداخلية الخاصة، تجد لهذه المؤسسات فعالية و حضورا وازنا.. و هذا ما يفتقر إليه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، و أضعف من ذلك حضور دار الإفتاء الجعفري !!!

و يحسن الأخذ بعين الاعتبار أيضا، أن مؤسسة المجلس الشيعي في لبنان هي المؤسسة الرسمية الدينية الشيعية الوحيدة في العالم العربي، و لذا احتلت موقعا عربيا رياديا في مرحلة سالفة، و انعدم حضورها مع انتقال الصلاحيات المؤقتة للشيخ عبد الأمير قبلان، و قد كنا نشهد حضورا للمجلس في المحافل العربية و الإسلامية. 

إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي (13): ضبط عمل أئمة القرى و المساجد
و أي توجه إصلاحي صادق، أو سعي جدي لتفعيل واقع المجلس الشيعي، ينبغي أن لا يغفل هذا الأمر، بل يجب أن يكون أولوية، محاولة لاستعادة دور المجلس السابق، في مرحلة تأسيسه، من أيام الإمام السيد موسى الصدر، و لغاية رحيل الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

و طبعا لم تكن الحاجة لتأسيس المجلس الشيعي لكي يقتصر دوره على إدارة الأوقاف، حيث كانت هذه المهمة مناطة بالمحاكم الشرعية الجعفرية، و الحاجة الأساسية للمجلس الشيعي تكمن في تمثيله للطائفة، و تحدثه باسمها، و رفع شأنها، و تعزيز مكانتها، و عليه فلا حاجة لمجلس لا يحقق مبتغاه.