لا أعرف كيف يصبح الملحد مؤمناً ؟
 

يمرّ لبنان بأسوأ أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية فنسب البطالة بإزدياد مرتفع وأعمال الجرائم على إختلافها تتصاعد من القتل الى التعنيف ويبدو أن الجوع على الأبواب و لا أحد يهتم بأحواله طالما أن الزعيم بخير وأن القائد على ما يرام و أن المسؤول ينام جيداً وكذلك النواب على تخمتهم والوزراء على نهمهم والمفتون والقضاة الشرعيون و أولو الأمر كلهم بخير ولا يُصيبهم مكروه بإذنه ولا تحيط بهم الأزمات وهم في أمان تام من الأمراض والعوز والحرمان فقد تكفل بهم الله ورعاهم حق الرعاية فأعطاهم المدرسة الخاصة والجامعة الأجنبية والمستشفى العالية الجودة والفنادق الأغلى تسعيرة في العالم كونهم يحكمون بما أنزل الله.
لا أحد يلتفت لحجم المأساة في الخدمات من الماء والكهرباء الى الدواء والكتاب والتعليم فالكل نيام وقد أرهقهم السهر على دروب الأحزاب حتى يرتاح الأمين العام والمساعد وهيئات القيادة العليا والسُفلى وبذلك تصل الحقوق الى أهلها بعد أن يشبع المؤتمنون على الدين والدولة وعلى كثرتهم طالما أن لكل مسؤول حاشية تمسح عنه أوساخ السياسة وتُلبسه أثواب القداسة.
متى يهتم الناس والفقراء خصوصاً بأنفسهم فيتخلون عن التعلّق بالأغنياء والزعماء وأسنان الأحزاب والعشائر ومتى يكتشفون زيف الشعراء والخطباء و أئمة المساجد وقرّاء العزاء والفواتح في مناسبات الموت التي يعتاش عليها جهابزة القوم .

إقرأ أيضا : ماذا تبقى من رفيق الحريري؟
لا أدري مجرد أسئلة مطروحة منذ زمن ولكن لا أحد يجيب فالجماهير الغفيرة لا تتقن سوى فن المدح والتبجيل والقتل لمن تسوّل له نفسه إدانة حائط مبكى أو صنم من أصنام العرب الجديدة وهي متفرغة للزود عن حياض الحزب والطائفة والعشيرة والشخص الذي اصطفته الجماعة رسولاً لها يكلمها من وراء حجاب أو زجاج أو ساتر ترابي أو ستارة من ستائر الألوان مخافة أن يفقد هيبة النبوة اذا ما خرج ليمشي في الأسواق.
عجيب أمر هؤلاء الذين يخرجون من أكواخهم ليموتوا حتى يحيا الزعيم وينام في قصر من قصور العجائب وغريب أمر من لا يجد قوت عياله ويشهر سيفه للدفاع عن من سلبه قرص رغيفه ثمّة مجتمع غير قابل للمعرفة في ظل إفتقاده لأبسط القواعد والبديهيات فهو مؤمن بجلاده ويحترم جزاره ويقدس من ألبسه كفنه و ألحده حفرة من الفقر والقبر.
لا أعرف كيف يصبح الملحد مؤمناً ؟ 

إقرأ أيضًا: الجديد بين بري ونصرالله
في مجتمع التناقضات هذا ويقف الجائع في صف الدفاع الأوّل عن الشبعان الى حدّ التخمة ويقف وسط سارقي خبزه ومائه وكهربائه وآماله و أحلامه وعياله وبائعي حاضره ومستقبله ويهتف لهم حتى النفس الأخير تماماً كما هتف القوميون لهتلر وصدام حسين والثوريون لكاسترو والمؤمنون للبغدادي والظواهري وما بينهما من شيوخ الجهاد وفتاوى التكفير والقتل من كل الملل والمذاهب،  لا أعرف كيف يبقى المًصلحون مصرون على إصلاح ما لا يمكن إصلاحه في مجتمع يحمل السلاح ويصوب على الاصلاحيين ودعوات الاصلاح في السياسة والدين ويعتبر عدوه الأوّل و الأخير هو من يدعوه الى النهوض ضدّ جلاده ويبتهج مزهواً بحضرة الملك والأمير والرئيس والفقيه والمرجع والمقدس وأمين الحزب ومساعد الأمين ومن تحت إبط الأمين من شياطين الإنس والجنّ .
في قرآنه ندّد الله بالعرب الوائدين لبناتهم نتيجة فقر وإملاق ومن يحكم بإسم الله والكتاب يمدح بوأد أمّة كاملة ويباركها كونها قدمت نفسها قرابين على مذابح أصنام من لحم ودم .