في المرحلة الجنينية الأولى لتأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كان الهاجس الأساس لدى المؤسسين في كيفية إدخال المجلس لأكبر شريحة إسلامية شيعية لبنانية، و كان الخوف من قيام حركة اعتراض واسعة، و بالرغم من الغطاء الوازن الذي حظي به المجلس الشيعي من قبل رئيس مجلس النواب الأسبق صبري حمادة، إلا أن أطرافا أخرى لم تكن مع فكرة تأسيس مجلس ملي للشيعة، و الإكتفاء بدار الإفتاء الجعفري لتسيير بعض المعاملات الرسمية للشيعة، و أما الأوقاف الشيعية فكانت تحت سلطة المحاكم الجعفرية، في حين أن دار الفتوى كانت مرجعية لبنانية لكافة المسلمين في لبنان وقتذاك.

في تلك الأجواء نشأ توجه يقضي بإشراك كل نواب الشيعة، و جعلهم أعضاء حكميين في الهيئة التنفيذية، بمعنى أن كل نائب شيعي يكون عضوا حكما في الهيئة التنفيذية دون الحاجة لكي يترشح لهذا الموقع. 
مع الإبقاء على عضوية إثني عشر شخصا يدخلون للهيئة التنفيذية عن طريق الإنتخاب، و إثني عشر شخصا من رجال الدين يشكلون الهيئة الشرعية يأتون عن طريق الإنتخاب أيضا.. 

هذا الأمر جعل العنصر المدني يطغى على العنصر الديني، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المؤسسة ذات صبغة دينية! 

إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي (10): وقفة مع قانون تمديد ولاية الهيئتين الشرعية و التنفيذية في المجلس الشيعي.

حاليا تتشكل الهيئة التنفيذية من 37 عضوا، و أما الهيئة الشرعية فتتكون من 12 عضوا !! 
و الأمر لا يحتاج لمزيد ايضاح الخلل في مكونات المجلس الراهنة، فإذا كان في مرحلة ما حاجة لإدخال عنصر ما، فهذا الأمر لم يعد يشكل ضرورة في وقتنا الراهن. 
بل الأمر أبعد من ذلك بكثير، حيث إن وجود نواب الشيعة كأعضاء حكميين في المجلس جعل القرارات داخل المجلس معقدة للغاية، فضلا عن انتفاء أي دور فعلي للمجلس، كون هذا الإجراء مكن القوى السياسية من السيطرة التامة على المجلس، و جعل دور علماء الدين ينحسر لصالح هذه القوى السياسية، و تاليا انتفى الدور الواعد الذي كان يؤمل أن يضطلع به المجلس.

و هذا ما جعل الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين يعتبر في بعض كتاباته أن وجود نواب الشيعة كأعضاء حكميين يعيق دور المجلس، و يمنعه من القيام بأي دور ريادي.. كما أن دولة الرئيس حسين الحسيني - الذي واكب الإمام الصدر - ينقل أن إدخال نواب الطائفة كأعضاء حكميين كان إجراء مؤقتا لريثما يتعزز وضع المجلس في الساحة اللبنانية العامة.

و أفضل مثال على ذلك، الواقع الحالي، حيث انعدام أي حضور أو فاعلية للمجلس في قبال الثنائية الشيعية، و بدلا من أن يكون للمجلس الشيعي شخصيته المستقلة التي تجمع في رحابها كافة التنوعات السياسية و الدينية و الإجتماعية للشيعية، فقد أصبح المجلس أسيرا لتلك القوى .
و عليه، فإذا قرر الشيعة يوما ما قيام مؤسسة مؤثرة و حاضرة فعليهم أن يعيدوا النظر بالمادة الثامنة من قانون تنظيم شؤون الطائفة الشيعية، بما يعزز دور رجال الدين في هذه المؤسسة، و الموقع الطبيعي لرجال السياسة في  أحزابهم و مجلس النواب و الحكومة..