لم يكن مستغرباً أو مستبعداً العمل الذي قام به شرطي أمني تركي والذي أدّى الى قتل السفير الروسي في أنقرة إنتقاماً منه لحلب التي دمرتها الطائرات الروسية وتعبيراً طبيعياً عن ارتباط الدولة التركية بالحرب السورية وهذا ما فرض تعاطفاً كبيراً من قبل الأتراك الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما يحصل من جرائم ومذابح ضدّ الشعب المسلم السوري . هذه ثقافة كل مسلم ونظرة كل فرد في دولة متغلغلة في الأزمة السورية وهذا ما دفعت اليه التعبئة المستمرة للماكنة الاعلامية المحفزة للقيام بأعمال تعكس صورة الارتباط والتعاطي الايجابي مع السوريين .
من المتوقع أن تتكرر أعمال الانتقام من الروس في تركيا وفي غيرها من الدول طالما أن روسيا مصرّة على التدمير ومن ثم التوسط لتسوية على الأطلال السورية وهذا ما سيشجع قوافل الانتحاريين المنتظرين على أبواب المساجد عند كل صلاة جمعة وجماعة في أيّ بقعة من بقاع الأرض .
ما حصل في أنقرة ليس صدفة كما أنه غير مرتبط بمخطط شامل وإنما هو دعوة مفتوحة لكل مسلم للمساهمة في القتل نتيجة للتعبئة وللمشهد القائم في سورية وحلب خصوصاً وهذا ما سيغذي التطرف ويدفع الى المزيد من المتطوعين للاسلاميين على إختلاف أسمائهم وصيغهم ودعواتهم وهذا ما سيجلب المزيد من المتبرعين للموت في سوريا باعتبارها أرض جهاد وقداسة .
بدلاً من القضاء على التطرف والمتطرفين كما يدعيّ الروس وغيرهم من الدول يفتحون له منافذ جديدة ويوفرون له الأسباب الكاملة للإنتشار بكثافة والنمو كمارد غير عابىء بهول الأخطار لذا يقدمون على أعمال تصعب حتى على الدول الكبيرة القيام بها فاغتيال سفير بهذه السهولة وبهذا الوضوح وبهذه العنترية يشير الى أن العالم أمام بشر قادرين على فعل كل شيء دون مراعاة أو تحفظ على شيء وهم واقفون أمام الكاميرات ليشجعوا آخرين على هذا الفعل لثأر واستجابة لدعوة الداعي السوري وما في ذلك من فوز عظيم .
حتى الآن لم يفقه الروس ثقافة الموت عند الاسلاميين ويبدو أنهم لم يتعظوا من التجربة التاريخية وغير آبهين بالمشهد القائم في العالم حيث يضرب الارهاب أكبر البنى الأمنية من أميركا الى فرنسا فألمانيا وهو لم يستوح شيئا من تجربته مع الشيشانيين وغير مهتم بالنار التي ستفتح عليه من جيرانه الذين فرّوا من الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ليعدوا الى الى إسلام أكثر تشدداً وأكثر تطرفاً كما أنه لم يعد يميّز بين الأوكرانيين والمسلمين فهو يظن أن الجولاني والبغدادي والعبسي كالأوكراني .
في السياسة حوّل الروس والأتراك مقتل السفير الروسي الى تحسين شروط العلاقات بين البلدين والى بذل المزيد من التعاون لتقاسم نفوذهم في سورية وهذا ما أعطى للاجتماع الثلاثي (روسيا – تركيا – إيران ) بعداً أمنياً ادّى الى تهريب الدبلوماسيين الإيرانيين والروس من أنقرة وغيرها كتدبير مؤقت وأوّلي ستتبعه تدابيرأخرى لأن مقتل السفير الروسي عمل يوازي تدمير حلب لأن الاغتيال يهزّ الدولة وله حسابات داخلية وخارجية في حين تدمير حلب وسورية فلا يهزّ أحداً سوى مسلمين مؤمنين بما يخطب خطباء المساجد والواعظون من أهل الدين الجهادي .
عندما يتحرك الأمن تضعف الحسابات السياسية خاصة وأن المستفيدين كثر لا سيما الدول التي دفعت روسيا كيّ تستحضر قوتها التدميرية الى سورية لتصبح عدوة في منطقة مازالت شعوبها تنظر الى الروس كملاحدة وكفرة من بقايا الشيوعية التي قاتلوها زمناً تحت شعارات دينية وهي على استعداد كامل لمعاودة الجهاد ضدّ الروس كشيوعيين جُدد .